الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

بيان الآيات غير خالية عن الارتباط بما تقدمها بناءً على ما ذكرناه في الآيات السابقة أن المقام مقام التعرض لحال أهل الكتاب والمشركين والتعريض لهم فالمراد بالكافرين إن كان يعم أهل الكتاب فهذه الآيات تنهى عن توليهم والامتزاج الروحي بالمشركين وبهم جميعاً وإن كان المراد بهم المشركين فحسب فالآيات متعرضة لهم ودعوة إلى تركهم والاتصال بحزب الله وحب الله وطاعة رسوله. قوله تعالى { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } الأولياء جمع الولي من الولاية وهي في الأصل ملك تدبير أمر الشيء فولي الصغير أو المجنون أو المعتوه هو الذي يملك تدبير أمورهم وأمور أموالهم فالمال لهم وتدبير أمره لوليهم ثم استعمل وكثر استعماله في مورد الحب لكونه يستلزم غالباً تصرف كل من المتحابين في أمور الآخر لإِفضائه إلى التقرب والتأثر عن إرادة المحبوب وسائر شؤونه الروحية فلا يخلو الحب عن تصرف المحبوب في أمور المحب في حياته. فاتخاذ الكافرين أولياء هو الامتزاج الروحي بهم بحيث يؤدي إلى مطاوعتهم والتأثر منهم في الأخلاق وسائر شؤون الحياة وتصرفهم في ذلك ويدل على ذلك تقييد هذا النهي بقوله من دون المؤمنين فإن فيه دلالة على إيثار حبهم على حب المؤمنين وإلقاء أزمة الحياة إليهم دون المؤمنين وفيه الركون إليهم والاتصال بهم والانفصال عن المؤمنين. وقد تكرر ورود النهي في الآيات الكريمة عن تولي الكافرين واليهود والنصارى واتخاذهم أولياء لكن موارد النهي مشتملة على ما يفسر معنى التولي المنهي عنه ويعرف كيفية الولاية المنهى عنها كاشتمال هذه الآية على قوله { من دون المؤمنين } بعد قوله { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء } واشتمال قوله تعالىيا أيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } المائدة 51، على قوله { بعضهم أولياء بعض } وتعقب قوله تعالىيا أيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } الممتحنة 1، بقوله { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } إلى آخر الآيات. وعلى هذا فأخذ هذه الأوصاف في قوله { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } للدلاله على سبب الحكم وعلته وهو أن صفتي الكفر والإِيمان مع ما فيهما من البعد والبينونة ولا محالة يسري ذلك إلى من اتصف بهما فيفرق بينهما في المعارف والأخلاق وطريق السلوك إلى الله تعالى وسائر شؤون الحياة لا يلائم حالهما مع الولاية فإن الولاية يوجب الإِتحاد والامتزاج وهاتان الصفتان توجبان التفرق والبينونة وإذا قويت الولاية كما إذا كان من دون المؤمنين أوجب ذلك فساد خواص الإِيمان وآثاره ثم فساد أصله ولذلك عقبه بقوله { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } ثم عقبه أيضاً بقوله { إلاَّ أن تتقوا منهم تقية } فاستثنى التقية فإن التقية إنما توجب صورة الولاية في الظاهر دون حقيقتها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10