الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤ } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } * { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

بيان غرض السورة دعوة المؤمنين إلى توحيد الكلمة في الدين والصبر والثبات في حماية حماه بتنبيههم بما هم عليه من دقة الموقف لمواجهتهم أعداء كاليهود والنصارى والمشركين وقد جمعوا جمعهم وعزموا عزمهم على إطفاء نور الله تعالى بأيديهم وبأفواههم. ويشبه أن تكون هذه السورة نازلة دفعة واحدة فإن آياتها - وهي مئتا آية - ظاهرة الاتساق والانتظام من أولها إلى آخرها متناسبة آياتها مرتبطة أغراضها. ولذلك كان مما يترجح في النظر أن تكون السورة إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد استقر له الأمر بعض الاستقرار ولما يتم استقراره فإن فيها ذكر غزوة أُحد وفيها ذكر المباهلة مع نصارى نجران وذكراً من أمر اليهود وحثاً على المشركين ودعوة إلى الصبر والمصابرة والمرابطة وجميع ذلك يؤيد أن السورة نزلت أيام كان المسلمون مبتلين بالدفاع عن حمى الدين بعامة قواهم وجميع أركانهم فمن جانب كانوا يقاومون الفشل والفتور اللذين يدبان في داخل جماعتهم بفتنة اليهود والنصارى ويحاجونهم ويجاوبونهم ومن جانب كانوا يقاتلون المشركين ويعيشون في حال الحرب وانسلاب الأمن فقد كان الإِسلام في هذه الأيام قد انتشر صيته فثارت الدنيا عليه من اليهود والنصارى ومشركي العرب ووراء ذلك الروم والعجم وغيرهم. والله سبحانه يذكر المؤمنين في هذه السورة من حقائق دينه الذي هداهم به ما يطيب به نفوسهم ويزول به رين الشبهات والوساوس الشيطانية وتسويلات أهل الكتاب عن قلوبهم ويبيّن لهم أن الله سبحانه لم يغفل عن تدبير ملكه ولم يعجزه خلقه وإنما اختار دينه وهدى جمعاً من عباده إليه على طريقة العادة الجارية والسُنّة الدائمة وهي سُنّة العلل والأسباب فالمؤمن والكافر جاريان على سُنّة الأسباب فيوم للكافر ويوم للمؤمن فالدار دار الامتحان واليوم يوم العمل والجزاء غداً. قوله تعالى { الله لا إله إلاَّ هو الحي القيوم } ، قد مرّ الكلام فيه في تفسير آية الكرسي وتحصل من هناك أن المراد به بيان قيامه تعالى أتم القيام على أمر الإِيجاد والتدبير فنظام الموجودات بأعيانها وآثارها تحت قيمومة الله لا مجرد قيمومة التأثير كالقيمومة في الأسباب الطبيعية الفاقدة للشعور بل قيمومة حياة تستلزم العلم والقدرة فالعلم الإِلهي نافذ فيها لا يخفى عليه شيء منها والقدرة مهيمنة عليها لا يقع منها إلاَّ ما شاء وقوعه وأذن فيه ولذلك عقبه بقوله بعد آيتين { إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء }. ولما كانت هذه الآيات الست في أول السورة على طريق براعة الاستهلال مشتملة على إجمال ما تحتويه السورة من التفصيل - وقد مرّ ذكر غرض السورة - كانت هذه الآية بمنزلة تصدير الكلام بالبيان الكلي الذي يستنتج به الغرض كما أن الآيتين الأخيرتين أعني قوله { إن الله لا يخفى عليه } الخ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد