الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

بيان الآيات مرتبطة بآيات غزوة أُحد ويشعر بذلك قوله { من بعد ما أصابهم القرح } وقد قال فيها { إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله }. قوله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول } الآية، الاستجابة والإجابة بمعنى واحد - كما قيل - وهي أن تسأل شيئاً فتجاب بالقبول. ولعل ذكر الله والرسول مع جواز الاكتفاء في المقام بذكر أحد اللفظين إنما هو لكونهم في وقعة أُحد عصوا الله والرسول فأما هو تعالى فقد عصوه بالفرار والتولي وقد نهاهم الله عنه وأمر بالجهاد وأما الرسول فقد عصوه بمخالفة أمره الذي أصدره على الرماة بلزوم مراكزهم وحين كانوا يصعدون وهو يدعوهم في اخراهم فلم يجيبوا دعوته فلما استجابوا في هذه الوقعة وضع فيها بحذاء تلك الوقعة استجابتهم لله والرسول. وقوله { للذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم } ، قصر الوعد على بعض أفراد المستجبين لأن الاستجابة فعل ظاهري لا يلازم حقيقة الإحسان والتقوى اللذين عليهما مدار الأجر العظيم وهذا من عجيب مراقبة القرآن في بيانه حيث لا يشغله شأن عن شأن ومن هنا يتبين أن هؤلاء الجماعة ما كانوا خالصين لله في أمره بل كان فيهم من لم يكن محسناً متقياً يستحق عظيم الأجر من الله سبحانه وربما يقال إن " من " في قوله { منهم } بيانية كما قيل مثله في قوله تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار } إلى أن قالوعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً } الفتح 29، وهو تأول بما يدفعه السياق. ويتبين أيضاً أن ما يمدحهم به الله سبحانه في قوله { الذين قال لهم الناس } إلى آخر الآيات من قبيل وصف البعض المنسوب إلى الكل بعناية لفظية. قوله تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } الآية الناس هو الافراد من الإنسان من حيث عدم أخذ ما يتميز به بعضهم من بعض والناس الأول غير الثاني فإن الثاني هو العدو الذي كان يجمع الجموع وأما الأول فهم الخاذلون المثبطون الذين كانوا يقولون ما يقولون ليخذلوا المؤمنين عن الخروج إلى قتال المشركين فالناس الثاني اريد به المشركون والناس الأول أيديهم على المؤمنين وعيونهم فيهم وظاهر الآية كونهم عدة وجماعة لا واحداً وهذا يؤيد كون الآيات نازلة في قصة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيمن بقي من أصحابه بعد أُحد في أثر المشركين دون قصة بدر الصغرى وسيجيء القصتان في البحث الروائي الآتي. وقوله { قد جمعوا لكم } أي جمعوا جموعهم لقتالكم ثانياً والله أعلم. وقوله { فزادهم إيماناً } ، وذلك لما في طبع الإنسان أنه إذا نهي عما يريده ويعزم عليه فإن لم يحسن الظن بمن ينهاه كان ذلك إغراءً فأوجب انتباه قواه واشتدت بذلك عزيمته وكلما أصر عليه بالمنع أصر على المضي على ما يريده ويقصده وهذا إذا كان الممنوع يرى نفسه محقاً معذوراً في فعاله أشد تأثيراً من غيره ولذا كان المؤمنون كلما لامهم في أمر الله لائم أو منعهم مانع زادوا قوة في إيمانهم وشدة في عزمهم وبأسهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد