الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

بيان من تتمة الآيات النازلة في خصوص غزوة أُحد وفيها حثُ وترغيب للمؤمنين أن لا يطيعوا غير ربهم فإنه هو مولاهم وناصرهم وإشهاد لهم على صدق وعده وإن الهزيمة والخذلان لم يكن يوم أحد إلا من قبل أنفسهم وتعديهم حدود ما أمرهم الله به ودعاهم رسوله إليه وأن الله سبحانه مع ذلك عفا عن جرائمهم لأنه غفور حليم. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا } إلى آخر الآيتين لا يبعد أن يستفاد من السياق أن الكفار كانوا أيام نزول الآيات بعد غزوة أُحد يلقون إلى المؤمنين - في صورة النصح - ما يثبطهم عن القتال ويلقي التنازع والتفرقة وتشتت الكلمة واختلافها بينهم وربما أيده ما في آخر هذه الآيات من قولهالذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } آل عمران 173 إلى أن قالذلكم الشيطان يخوف أوليائه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } آل عمران 175. وربما قيل إن الآية إشارة إلى قول اليهود والمنافقين يوم أُحد " إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى عشائركم " وليس بشيء. ثم لما بين أن إطاعتهم للذين كفروا والميل إلى ولايتهم يهديهم إلى الخسران الذي هو رجوعهم على أعقابهم كافرين أضرب عنه بقوله { بل الله مولاكم وهو خير الناصرين }. قوله تعالى { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله } " الخ " وعد جميل للمؤمنين بأنهم سينصرون بالرعب ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكره فيما حباه الله تعالى وخصه به من بين الأنبياء على ما رواه الفريقان. وقوله { بما أشركوا } معناه اتخذوا له ما ليس معه برهان شريكاً ومما يكرره القرآن أن ليس لإثبات الشريك لله سلطان ومن إثبات الشريك نفي الصانع وإسناد التأثير والتدبير إلى غيره كالدهر والمادة. قوله تعالى { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم } إلى آخر الآية، الحس - بالفتح - القتل على وجه الاستئصال. ولقد اتفقت الروايات وضبطه التاريخ في قصة غزوة أُحد أن المؤمنين غلبوهم وظهروا عليهم في أول الأمر ووضعوا فيهم السيوف وشرعوا في نهب أموالهم حتى إذا خلى الرماة مكانهم في المكمن حمل خالد بن الوليد فيمن معه على عبد الله بن جبير ومن بقي معه من الرماة فقتلوهم وحملوا على المؤمنين من ورائهم وتراجع المشركون عن هزيمتهم ووضعوا السيوف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتلوا منهم سبعين ثم هزموهم أشد هزيمة. فقوله تعالى { ولقد صدقكم الله وعده } تثبيت صدق وعده بالنصر بشرط التقوى والصبر وقوله { إذ تحسونهم بإذنه } يقبل الانطباق على ما رزقهم في أول الأمر من الظهور على عدوهم يوم أُحد وقوله { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } ينطبق على ما صنعه الرماة حيث تنازعوا فيما بينهم في ترك مراكزهم واللحوق بمن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنيل الغنيمة ففشلوا وتنازعوا في الأمر وعصوا أمر النبي بأن لا يتركوا مراكزهم على أي حال وعلى هذا فلا بد من تفسير الفشل بضعف الرأي وأما كونه بمعنى الجبن فلا ينطبق عليهم إذ لم يكن ذلك منهم جبناً بل طمعاً في الغنيمة ولو كان الفشل بمعنى الجبن كان منطبقاً على حال جميع القوم ويكون على هذا " ثم " في قوله { ثم صرفكم } مفيدة للتراخي الرتبي دون الزماني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9