الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

بيان الآيات كما ترى تتمة للآيات السابقة المبتدئة بقوله { يا أيُّها الذين آمنوا } كما أن الآيات السابقة بأوامرها ونواهيها توطئة لهذه الآيات التي تشتمل على أصل المقصود من أمر ونهي وثناء وتوبيخ. قوله تعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، الوهن هو الضعف في خلق أو خلق على ما ذكره الراغب والمراد به هنا ضعفهم من حيث العزيمة والاهتمام على اقامة الدين وقتال أعدائه والحزن خلاف الفرح وإنما يعرض الإنسان بفقده شيئاً يملكه مما يحبه أو أمراً يقدر نفسه مالكة له. وفي قوله تعالى { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } دلالة على أن سبب وهنهم وحزنهم ما شاهدوه من إصابة القرح إياهم واستعلاء الكفار عليهم فإن المشركين وإن لم ينالوا كل الغلبة والظفر على المؤمنين ولم تختتم الوقعة على الانهزام التام من المؤمنين لكن الذي أصاب المؤمنين كان أشد وأوجع وهو شهادة سبعين من سراتهم وشجعانهم ووقوع ما وقع في عقر دارهم فكان هذا سبب وهنهم وحزنهم ووقوع قوله { وأنتم الأعلون } " الخ " موقع التعليل هو الوجه في كون هذين النهيين نهياً عن وهن وحزن واقعين لا مقدرين ولا متوقعين. وقد اطلق قوله الأعلون من غير تقييد ولكن اشترط بالإيمان فمحصل المعنى لا ينبغي لكم أن تهنوا في عزمكم ولا أن تحزنوا لما فاتكم من الظفر على أعدائكم والانتصار منهم إن كان فيكم الإيمان فإن الإيمان أمر يستصحب علاءكم البتة إذ هو يلازم التقوى والصبر وفيهما ملاك الفتح والظفر وأما القرح الذي أصابكم فلستم بمتفردين فيه بل القوم - وهم المشركون - قد أصابهم مثله فلم يسبقوكم في شيء حتى يوجب ذلك وهنكم وحزنكم. واشتراط علوهم بالإيمان مع كون الخطاب للذين آمنوا إنما هو للإشارة إلى أن الجماعة وإن كانوا لا يفقدون الإيمان إلاَّ أنهم غير عاملين بما يقتضيه من الصفات كالصبر والتقوى وإلا لأثر أثره. وهذا حال كل جماعة مختلفة الحال في الإيمان فيهم المؤمن حقاً والضعيف إيماناً والمريض قلباً ويكون مثل هذا الكلام تنشيطاً لنفس مؤمنهم وعظة لضعيفهم وعتاباً وتأنيباً لمريضهم. قوله تعالى { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } القرح ـ بفتح القاف ـ الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج والقرح - بالضم - أثرها من داخل - كالبثرة ونحوها - قاله الراغب - وكأنه كناية عما أصابهم يوم أُحد بفرض مجموع المسلمين شخصاً واحداً أصابه جراحة من عدوه وهو قتل من قتل منهم وجراحة من جرح منهم وفوت النصر والفتح بعد ما أطلا عليهم. وهذه الجملة أعني قوله { إن يمسسكم } " الخ " وما بعدها من الجمل المتسقة إلى قوله { ويمحق الكافرين } في موضع التعليل كما مر - لقوله { ولا تهنوا ولا تحزنوا } كما أن قوله { وأنتم الأعلون } تعليل آخر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد