الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }

بيان آيات داعية إلى الخير زاجرة عن الشر والسوء وهي مع ذلك لا تفقد الاتصال بما قبلها ولا ما بعدها من الآيات الشارحة لقصة غزوة أُحد وبيان ما كان في المؤمنين يومئذ من مساوئ الحالات والخصال المذمومة التي لا يرتضيها الله سبحانه وهي الموجبة لما دب فيهم من الوهن والضعف ومعصية الله ورسوله فالآيات من تتمة الآيات النازلة في غزوة أُحد. ثم هدايتهم إلى ما يأمنون به الوقوع في هذه الورطات المهلكة والعقبات المردية ودعوتهم إلى تقوى الله والثقة به والثبات على طاعة الرسول فهذه الآيات التسع خاصة فيها ترغيب وتحذير فهي ترغب المؤمنين على المسارعة إلى الخير وهي الإنفاق في سبيل الله في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس ويجمعها بث الإحسان والخير في المجتمع والصبر على تحمل الأذى والسوء والصفح عن الإساءة قبالة الإساءة فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تستحفظ بها حياة المجتمع ويشد بها عظمه فيقوم على ساق ومن لوازم هذا الإنفاق والإحسان ترك الربا ولذلك بدأ به وهو كالتوطئة للدعوة إلى الإحسان والإنفاق فقد مر في آيات الإنفاق والربا من سورة البقرة أن الإنفاق بجميع طرقه من أعظم ما يعتمد عليه بنية المجتمع وأنه الذي ينفخ روح الوحدة في المجتمع الإنساني فتتحد به قواه المتفرقة فتنال بذلك سعادته في الحياة ويقوى به على دفع كل آفة مهلكة أو موذية تقصده وأن الربا من أعظم ما يضاد الانفاق في خاصته هذه. فهذا ما يرغّبهم الله فيه ثم يرغبهم في أن لا ينقطعوا عن ربهم بقواطع الذنوب والمعاصي فإن أتوا بما لا يرضاه لهم ربهم تداركوه بالتوبة والرجوع اليه ثانياً وثالثاً من غير أن يكسلوا أو يتوانوا وبهذين الأمرين يستقيم سيرهم في صراط الحياة السعيدة فلا يضلون ولا يقفون فيهلكوا. وهذا البيان كما ترى أحسن طريق يهدى به الإنسان إلى تكميل نفسه بعد ظهور النقص وأجود سبيل في علاج الرذائل النفسانية التي ربما دبت في النفوس المحلاة بالفضائل فأورثت السفال والسقوط وهددت بالهلكة والردى. تعليم القرآن وقرانه العلم بالعمل وهذا من دأب القرآن في تعليمه الإلهي إذ لم يزل يجعل في مدة نزولها - وهي ثلاث وعشرون سنة - لكليات تعاليمه مواد أولية حتى إذا عمل بشيء منها أخذ صورة العمل الواقع مادة لتعليمهم ثانياً فألقاها إليهم بعد إصلاح الفاسد من أجزائه وتركيبه بالصحيح الباقي وذم الفاسد والثناء على الصحيح المستقيم والوعد الجميل والشكر الجزيل لفاعله فكتاب الله العزيز كتاب علم وعمل لا كتاب فرض وتقدير ولا كتاب تعمية وتقاليد. فمثله مثل المعلم يلقي إلى تلامذته الكليات العلمية في أوجز بيان وأقصر لفظ ويأمرهم بالعمل بها ثم يأخذ ما عملوه ثانياً ويحلله إلى أوائل أجزائه من صحيح وفاسد فيبين لهم وارد النقص والقصور مشفّعة بالعظة والوعيد ويمدح موارد الاستقامة والصحة ويقارنها بالوعد والشكر ويأمرهم بالعمل ثانياً وهذا فعاله حتى يكملوا في فنهم ويسعدوا في جدهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7