الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ بيان } رجوع إلى ما بدأت به السورة من تنبيه المؤمنين بما هم عليه من الموقف الصعب وتذكيرهم بنعم الله عليهم من إيمان ونصر وكفاية وتعليمهم ما يسبقون به إلى شريف مقصدهم وهدايتهم إلى ما يسعدون به في حياتهم وبعد مماتهم. وفيها قصة غزوة أُحد وأما الآيات المشيرة إلى غزوة بدر فإنما هي من قبيل الضميمة المتممة ومحلها محل شاهد القصة وليست مقصودة بالأصالة على ما سيجيء. قوله تعالى { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } إذ ظرف متعلق بمحذوف كاذكر ونحوه وغدوت من الغدو وهو الخروج غداة والتبوئة تهيئة المكان للغير أو إسكانه وإيطانه المكان والمقاعد جمع وأهل الرجل - كما ذكره الراغب - من يجمعه وإياهم نسب أو بيت أو غيرهما كدين أو بلد أو صناعة يقال أهل الرجل لزوجته ولمن في بيته من زوجة وولد وخادم وغيرهم وللمنتسبين إليه من عشيرته وعترته ويقال أهل بلد كذا لقاطنيه وأهل دين كذا لمنتحليه وأهل صناعة كذا لصناعها وأساتيذها ويستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع ويختص استعماله بالإِنسان فأهل الشيء خاصته من الإنسان. والمراد بأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصته وهم جمع وليس المراد به ها هنا شخص واحد بدليل قوله { غدوت من أهلك } إذ يجوز أن يقال خرجت من خاصتك ومن جماعتك ولا يجوز أن يقال خرجت من زوجتك وخرجت من أمك ولذا التجأ بعض المفسرين إلى تقدير في الآية فقال إن التقدير خرجت من بيت أهلك لما فسر الأهل بالمفرد ولا دليل يدل عليه من الكلام. وسياق الآيات مبني على خطاب الجمع وهو خطاب المؤمنين على ما تدل عليه الآيات السابقة واللاحقة ففي قوله { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين } التفات من خطابهم إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأن الوجه فيه ما يلوح من آيات القصة من لحن العتاب فإنها لا تخلو من شائبة اللوم والعتاب والأسف على ما جرى وظهر من المؤمنين من الفشل والوهن في العزيمة والقتال ولذلك أعرض عن مخاطبتهم في تضاعيف القصة وعدل إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يخص به فقال { وإذ غدوت من أهلك } وقال { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم } وقال { ليس لك من الأمر شيء } وقال { قل إن الأمر كله بيد الله } وقال { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم } وقال { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } الآية. فغير خطاب الجمع في هذه الموارد إلى خطاب المفرد وهي موارد تحبس المتكلم الجاري في كلامه عن الجري فيه لما تغيظه وتهيج وجده بخلاف مثل قوله في ضمن الآيات { وما محمد إلاَّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم } وقوله { والرسول يدعوكم في أُخراكم } لأن العتاب فيهما بخطاب الجمع أوقع دون خطاب المفرد وبخلاف مثل قوله في ضمن الآيات { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم } الآية لأن الامتنان ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أخذه غائباً أوقع وأشد تأثيراً في النفوس وأبعد من الوهم والخطور فتدبر في الآيات تجد صحة ما ذكرناه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10