الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

بيان الآيات الكريمة - كما ترى - تنعطف إلى ما كان الكلام فيه قبل من التعرض لحال أهل الكتاب وخاصة اليهود في كفرهم بآيات الله وإغوائهم أنفسهم وصدهم المؤمنين عن سبيل الله وإنما كانت الآيات العشر المتقدمة من قبيل الكلام في طي الكلام فاتصال الآيات على حاله. قوله تعالى { لن يضروكم إلاَّ أذى } " الخ " ، الأذى ما يصل إلى الحيوان من الضرر إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيوياً كان أو أخروياً على ما ذكره الراغب في مفردات القرآن. قوله تعالى { ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلاَّ بحبل من الله وحبل من الناس } ، الذلة بناء نوع من الذل والذل بالضم ما كان عن قهر وبالكسر ما كان عن تصعب وشماس على ما ذكره الراغب ومعناه العام حال الانكسار والمطاوعة ويقابله العز وهو الامتناع. وقوله { ثقفوا } ، أي وجدوا والحبل السبب الذي يوجب التمسك به العصمة وقد استعير لكل ما يوجب نوعاً من الأمن والعصمة والوقاية كالعهد والذمة والأمان والمراد والله أعلم أن الذلة مضروبة عليهم كضرب السكة على الفاز أو كضرب الخيمة على الإِنسان فهم مكتوب عليهم أو مسلط عليهم الذلة إلاَّ بحبل وسبب من الله وحبل وسبب من الناس. وقد كرر لفظ الحبل بإضافته إلى الله وإلى الناس لاختلاف المعنى بالإِضافة فإنه من الله القضاء والحكم تكويناً أو تشريعاً ومن الناس البناء والعمل. والمراد بضرب الذلة عليهم القضاء التشريعي بذلتهم والدليل على ذلك قوله { أينما ثقفوا } فإن ظاهر معناه أينما وجدهم المؤمنون أي تسلطوا عليهم وهو إنما يناسب الذلة التشريعية التي من آثارها الجزية. فيؤول معنى الآية إلى أنهم أذلاء بحسب حكم الشرع الإِسلامي إلاَّ أن يدخلوا تحت الذمة أو أمان من الناس بنحو من الأنحاء. وظاهر بعض المفسرين أن قوله { ضربت عليهم الذلة } ليس في مقام تشريع الحكم بل اخبار عمّا جرى عليه أمرهم بقضاء من الله وقدر فإن الإِسلام أدرك اليهود وهم يؤدون الجزية إلى المجوس وبعض شعبهم كانوا تحت سلطة النصارى. وهذا المعنى لا بأس به وربما أيده ذيل الكلام إلى آخر الآية فإنه ظاهر في أن السبب في ضرب الذلة والمسكنة عليهم ما كسبته أيديهم من الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء والاعتداء المستمر إلاَّ أن لازم هذا المعنى اختصاص الكلام في الآية باليهود ولا مخصص ظاهراً وسيجيء في ذلك كلام في تفسير قوله تعالىوألقينا بينهم العداوة والبغضاء } المائدة 64. قوله تعالى { وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة } ، باؤوا أي اتخذوا مباءةً ومكاناً أو رجعوا والمسكنة أشد الفقر والظاهر أن المسكنة أن لا يجد الإِنسان سبيلاً إلى النجاة والخلاص عمّا يهدده من فقر أو أي عُدم وعلى هذا فيتلاءم معنى الآية صدراً وذيلاً.

السابقالتالي
2 3