الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

بيان يلوح من سياق آيات السورة وخاصة ما في صدرها من الآيات أن بعضاً ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل الهجرة رجع عنه خوفاً من فتنة كانت تهدّده من قِبل المشركين فإن المشركين كانوا يدعونهم إلى العود إلى ملّتهم ويضمنون لهم أن يحملوا خطاياهم إن اتَّبعوا سبيلهم فإن أبوا فتنوهم وعذَّبوهم ليعيدوهم إلى ملّتهم. يشير إلى ذلك قوله تعالى { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتَّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } الآية، وقوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أُوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } الآية. وكأن في هؤلاء الراجعين عن إيمانهم من كان رجوعه بمجاهدة من والديه على أن يرجع وإلحاح منهما عليه في الارتداد كبعض أبناء المشركين على ما يستشم من قوله تعالى { ووصينا الإِنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } الآية، وقد نزلت السورة في شأن هؤلاء. فغرض السورة على ما يستفاد من بدئها وختامها والسياق الجاري فيها أن الذي يريده الله سبحانه من الإِيمان ليس هو مجرد قولهم آمنا بالله بل هو حقيقة الإِيمان التي لا تحركها عواصف الفتن ولا تغيّرها غِيَر الزمن وهي إنما تتثبّت وتستقر بتوارد الفتن وتراكم المحن، فالناس غير متروكين بمجرد أن يقولوا آمنا بالله دون أن يفتنوا ويمتحنوا فيظهر ما في نفوسهم من حقيقة الإِيمان أو وصمة الكفر فليعلمن الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. فالفتنة والمحنة سنَّة إلهية لا معدل عنها تجري في الناس الحاضرين كما جرت في الأُمم الماضين كقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم ولوط وشعيب وموسى فاستقام منهم من استقام وهلك منهم من هلك وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. فعلى من يقول آمنت بالله أن يصبر على إيمانه ويعبد الله وحده فإن تعذّر عليه القيام بوظائف الدين فليهاجر إلى أرض يستطيع فيها ذلك فأرض الله واسعة ولا يخف عسر المعاش فإن الرزق على الله وكأيّن من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياه. وأما المشركون الذين يفتنون المؤمنين من غير جرم أجرموه إلا أن يقولوا ربنا الله فلا يحسبوا أنهم يعجزون الله ويسبقونه فأما فتنتهم للمؤمنين وإيذاؤهم وتعذيبهم فإنما هي فتنة لهم وللمؤمنين غير خارجة عن علم الله وتقديره، فهي فتنة وهي محفوظة عليهم إن شاء أخذهم بوبالها في الدنيا وإن شاء أخّرهم إلى يوم يرجعون فيه إليه وما لهم من محيص. وأما ما لفَّقوه من الحجة وركنوا إليه من باطل القول فهو داحض مردود إليهم والحجة قائمة تامة عليهم. فهذا محصّل غرض السورة ومقتضى ذلك كون السورة كلها مكية، وقول القائل إنها مدنية كلها أو معظمها أو بعضها - وسيجيء في البحث الروائي التالي - غير سديد، فمضامين آيات السورة لا تلائم إلا زمن العسرة والشدة قبل الهجرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد