الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

بيان لما استفرغ الكلام في توبيخ من أرتدّ عن دينه من المؤمنين خوف الفتنة عطف الكلام على بقية المؤمنين ممن استضعفه المشركون بمكة وكانوا يهددونهم بالفتنة والعذاب فأمرهم أن يصبروا ويتوكلوا على ربهم وأن يهاجروا منها إن أشكل عليهم أمر الدين وإقامة فرائضه، وأن لا يخافوا أمر الرزق فإن الرزق على الله سبحانه وهو يرزقهم إن ارتحلوا وهاجروا كما كان يرزقهم في مقامهم. قوله تعالى { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } توجيه للخطاب إلى المؤمنين الذين وقعوا في أرض الكفر لا يقدرون على التظاهر بالدين الحق والاستنان بسنته ويدل على ذلك ذيل الآية. وقوله { إن أرضي واسعة } الذي يظهر من السياق أن المراد بالأرض هذه الأرض التي نعيش عليها وإضافتها إلى ضمير المتكلّم للإِشارة إلى جميع الأرض لا فرق عنده في أن يعبد في أي قطعة منها كانت، ووسعة الأرض كناية عن أنه إن امتنع في ناحية من نواحيها أخذ الدين الحق والعمل به فهناك نواحٍ غيرها لا يمتنع فيها ذلك فعبادته تعالى وحده ليست بممتنعة على أي حال. وقوله { فإياي فاعبدون } الفاء الأُولى للتفريع على سعة الأرض أي إذا كان كذلك فاعبدوني وحدي والفاء الثانية فاء الجزاء للشرط المحذوف المدلول عليه بالكلام والظاهر أن تقديم { إياي } لإِفادة الحصر فيكون قصر قلب والمعنى لا تعبدوا غيري بل اعبدوني، وقوله { فاعبدون } قائم مقام الجزاء. ومحصل المعنى أن أرضي واسعة إن امتنع عليكم عبادتي في ناحية منها تسعكم لعبادتي أُخرى منها فإذا كان كذلك فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا غيري فإن لم يمكنكم عبادتي في قطعة منها فهاجروا إلى غيرها واعبدوني وحدي فيها. قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون } الآية تأكيد للأمر السابق في قوله { فإياي فاعبدون } وكالتوطئة لقوله الآتي { الذين صبروا } الخ. وقوله { كل نفس ذائقة الموت } من الاستعارة بالكناية والمراد أن كل نفس ستموت لا محالة، والالتفات في قوله { ثم إلينا ترجعون } من سياق التكلم وحده إلى سياق التكلم مع الغير للدلالة على العظمة. ومحصّل المعنى أن الحياة الدنيا ليست إلا أياماً قلائل والموت وراءه ثم الرجوع إلينا للحساب فلا يصدنكم زينة الحياة الدنيا - وهي زينة فانية - عن التهيؤ للقاء الله بالإِيمان والعمل ففيه السعادة الباقية وفي الحرمان منه هلاك مؤبد مخلد. قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوِّئنَّهم من الجنة غرفاً } الخ، بيان لأجر الإِيمان والعمل الصالح بعد الموت والرجوع إلى الله وفيه حثّ وترغيب للمؤمنين على الصبر في الله والتوكل على الله، والتبوئة الإِنزال على وجه الإِقامة، والغرف جمع غرفة وهي في الدار، العليَّة العالية.

السابقالتالي
2 3