الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

بيان قصة قارون من بني إسرائيل ذكرها الله سبحانه بعدما حكى قول المشركين { إن نتَّبع الهدى معك نُتخطف من أرضنا } وأجاب عنه بما مرّ من الأجوبة ليعتبروا بها فقد كانت حاله تمثل حالهم ثم أدّاه الكفر بالله إلى ما أدّى من سوء العاقبة فليحذروا إن يصيبهم مثل ما أصابه، فقد آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أُولي القوة فظنَّ أنه هو الذي جمعه بعلمه وجودة فكره وحسن تدبيره فأمن العذاب الإِلهي وآثر الحياة الدنيا على الآخرة وبغى الفساد في الأرض فخسف الله به وبداره الأرض فلما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. قوله تعالى { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أُولي القوة } قال في المجمع البغي طلب العتوّ بغير حق. قال والمفاتح جمع مفتح والمفاتيح جمع مفتاح ومعناهما واحد وهو عبارة عما يفتح به الأغلاق. قال وناء بحمله ينوء نوءاً إذا نهض به مع ثقله عليه. انتهى. وقال غيره ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله وهو الأوفق للآية. وقال في المجمع أيضاً العصبة الجماعة الملتف بعضها ببعض. وقال واختلف في معنى العصبة فقيل ما بين عشرة إلى خمسة عشر عن مجاهد، وقيل ما بين عشرة إلى أربعين عن قتادة، وقيل أربعون رجلاً عن أبي صالح، وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة عن ابن عباس، وقيل إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض. انتهى. ويزيّف غير القولين الأخيرين قول إخوة يوسفونحن عصبة } يوسف 8، وهم تسعة نفر. والمعنى إن قارون كان من بني إسرائيل فطلب العتوّ عليهم بغير حق وأعطيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتثقل الجماعة ذوي القوة، وذكر جمع من المفسرين أن المراد بالمفاتح الخزائن، وليس بذاك. قوله تعالى { إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين } فسّر الفرح بالبطر وهو لازم الفرح والسرور المفرط بمتاع الدنيا فإنه لا يخلو من تعلق شديد بالدنيا ينسى الآخرة ويورث البطر والأشر، ولذا قال تعالىولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور } الحديد 23. ولذا أيضاً علل النهي بقوله { إن الله لا يحب الفرحين }. قوله تعالى { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } إلى آخر الآية أي واطلب فيما أعطاك الله من مال الدنيا تعمير الدار الآخرة بإنفاقه في سبيل الله ووضعه فيما فيه مرضاته تعالى. وقوله { ولا تنس نصيبك من الدنيا } أي لا تترك ما قسم الله لك ورزقك من الدنيا ترك المنسي واعمل فيه لآخرتك لأن حقيقة نصيب الإِنسان من الدنيا هو ما يعمل به لآخرته فهو الذي يبقى له.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7