الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } * { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } * { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } * { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

بيان تذكر الآيات عذراً آخر مما اعتذر به مشركو مكة عن الإِيمان بكتاب الله بعد ما ذكرت عذرهم السابق { لولا أُوتي مثل ما أُوتي موسى } وردَّته وهو قولهم إن آمنا بما جاء به كتابك من الهدى وهو دين التوحيد تخطّفاً مشركو العرب من أرضنا بالقتل والسبي والنهب وسلب الأمن والسلام. فرده تعالى بأنا جعلنا لهم حرماً آمناً يحترمه العرب ويجبي إليه ثمرات كل شيء فلا موجب لخوفهم من تخطِّفهم. على أن تنعّمهم بالأموال والأولاد وبطر معيشتهم لا يضمن لهم الأمن من الهلاك حتى يرجّحوه على اتباع الهدى فكم من قرية بطرت معيشتها أهلكها الله واستأصلها وورثها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً. على أن الذي يؤثرونه على اتباع الهدى إنما هو متاع الحياة الدنيا العاجلة ولا يختاره عاقل على الحياة الآخرة الخالدة التي عند الله سبحانه. على أن الخلق والأمر لله فإذا اختار شيئاً وأمر به فليس لأحد أن يخالفه إلى ما يشتهيه لنفسه فيختار ما يميل إليه طبعه ثم استشهد تعالى بقصة قارون وخسفه به وبداره الأرض. قوله تعالى { وقالوا إن نتّبع الهدى معك نتخطَّف من أرضنا } إلى آخر الآية. التخطف الاختلاس بسرعة، وقيل الخطف والتخطف الاستلاب من كل وجه، وكأن تخطفهم من أرضهم استعارة أُريد به القتل والسبي ونهب الأموال كأنهم وما يتعلق بهم من أهل ومال يؤخذون فتخلو منهم أرضهم، والمراد بالأرض أرض مكة والحرم بدليل قوله بعد { أو لم نمكّن لهم حرماً آمناً } والقائل بعض مشركي مكة. والجملة مسوقة للاعتذار عن الإِيمان بأنهم إن آمنوا تخطَّفتهم العرب من أرضهم أرض مكة لأنهم مشركون لا يرضون بإيمانهم ورفض أوثانهم فهو من قبيل إبداء المانع ففيه اعتراف بحقية أصل الدعوة وأن الكتاب بما يشتمل عليه حق لكن خطر التخطف مانع من قبوله والإِيمان به، ولهذا عبَّر بقوله { إن نتَّبع الهدى معك } ولم يقل إن نتبع كتابك أو دينك أو ما يقرب من ذلك. وقوله { أو لم نمكِّن لهم حرماً آمناً } قيل التمكين مضمَّن معنى الجعل والمعنى أو لم نجعل لهم حرماً آمناً ممكِّنين إياهم، وقيل حرماً منصوباً على الظرفية والمعنى أو لم نمكِّن لهم في حرم، و { آمناً } صفة { حرماً } أي حرماً ذا أمن، وعدَّ الحرم ذا أمن - والمتلبّس بالأمن أهله - من المجاز في النسبة، والجملة معطوفة على محذوف والتقدير أو لم نعصمهم ونجعل لهم حرماً آمناً ممكِّنين إياهم. وهذا جواب أول منه تعالى لقولهم { إن نتَّبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } ومحصَّله أنا مكَّناهم في أرض جعلناها حرماً ذا أمن تحترمه العرب فلا موجب لخوفهم أن يتخطفوا منها إن آمنوا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد