الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } * { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

بيان سياق الآيات يشهد أن المشركين من قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم راجعوا بعض أهل الكتاب واستفتوهم في أمره صلى الله عليه وآله وسلم وعرضوا عليهم بعض القرآن النازل عليه وهو مصدق للتوراة فأجابوا بتصديقه والإِيمان بما يتضمنه القرآن من المعارف الحقة وأنهم كانوا يعرفونه بأوصافه قبل أن يبعث كما قال تعالى { وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين }. فساء المشركين ذلك وشاجروهم وأغلظوا عليهم في القول وقالوا إن القرآن سحر والتوراة سحر مثله { سحران تظاهرا } { وإنا بكل كافرون } فأعرض الكتابيون عنهم وقالوا سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. هذا ما يلوح إليه الآيات الكريمة بسياقها، وهو سبحانه لما ساق قصة موسى عليه السلام وأنبأ أنه كيف أظهر قوماً مستضعفين معبدين معذبين يذبح أبناؤهم وتستحيى نساؤهم على قوم عالين مستكبرين طغاة مفسدين بوليد منهم ربَّاه في حجر عدوه الذي يذبح بأمره الأُلوف من أبنائهم ثم أخرجه لما نشأ من بينهم ثم بعثه وردّه إليهم وأظهره عليهم حتى أغرقهم أجمعين وأنجا شعب إسرائيل فكانوا هم الوارثين. عطف القول على الكتاب السماوي الذي هو المتضمن للدعوة وبه تتم الحجة وهو الحامل للتذكرة فذكر أنه أنزل التوراة على موسى عليه السلام فيه بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون فينتهون عن معصية الله بعد ما أهلك القرون الأُولى بمعاصيهم. وكذا أنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن وقص عليه قصص موسى عليه السلام ولم يكن هو شاهداً لنزول التوراة عليه ولا حاضراً في الطور لما ناداه وكلمه، وقص عليه ما جرى بين موسى وشعيب عليهما السلام ولم يكن هو ثاوياً في مدين يتلو عليهم آياته ولكن أنزله وقص عليه ما قصه رحمة منه لينذر به قوماً ما أتاهم من نذير من قبله لأنهم بسبب كفرهم وفسوقهم في معرض نزول العذاب وإصابة المصيبة فلو لم ينزل الكتاب ولم يبلغ الدعوة لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك وكانت الحجة لهم على الله سبحانه. فلما جاءهم الحق من عنده ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن قالوا لولا أُوتي مثل ما أُوتي موسى أو لم يكفروا بما أُوتي موسى من قبل حين راجعوا أهل الكتاب في أمره فصدقوه فقال المشركون سحران تظاهرا يعنون التوراة والقرآن، وقالوا إنَّا بكل كافرون. ثم لقن سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم الحجة عليهم بقوله { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين } أي إن من الواجب في حكمة الله أن يكون هناك كتاب نازل من عند الله يهدي إلى الحق وتتم به الحجة على الناس وهم يعرفون فإن لم تكن التوراة والقرآن كتابي هدى وكافيين لهداية الناس فهناك كتاب هو أهدى منهما وليس كذلك إذ ما في الكتابين من المعارف الحقة مؤيدة بالإِعجاز وبدلالة البراهين العقلية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8