الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ }

بيان فصل آخر من قصة موسى عليه السلام وقد أُودع فيه إجمال قصته من حين سار بأهله من مدين قاصداً لمصر وبعثته بالرسالة إلى فرعون وملئه لإِنجاء بني إسرائيل وتكذيبهم له إلى أن أغرقهم الله في اليمِّ وتنتهى القصة إلى إيتائه الكتاب وكأنه هو العمدة في سرد القصة. قوله تعالى { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً } الخ، المراد بقضائه الأجل إتمامه مدة خدمته لشعيب عليه السلام والمروي أنه قضى أطول الأجلين، والإِيناس الإِبصار والرؤية، والجذوة من النار القطعة منها، والاصطلاء الاستدفاء. والسياق يشهد أن الأمر كان بالليل وكانت ليلة شديدة البرد وقد ضلّوا الطريق فرأى من جانب الطور وقد أشرفوا عليه ناراً فأمر أهله أن يمكثوا ليذهب إلى ما آنسه لعله يجد هناك من يخبره بالطريق أو يأخذ قطعة من النار فيصطلوا بها، وقد وقع في القصة من سورة طه موضع قوله { لعلي آتيكم منها بخبر } الخ قولهلعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى } طه 10، وهو أدلّ على كونهم ضلوا الطريق. وكذا في قوله خطاباً لأهله { امكثوا } الخ، شهادة على أنه كان معها من يصحّ معه خطاب الجمع. قوله تعالى { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } الخ قال في المفردات شاطئ الوادي جانبه، وقال أصل الوادي الموضع الذي يسيل منه الماء ومنه سمي المنفرج بين الجبلين وادياً وجمعه أودية انتهى والبقعة القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جنبها. والمراد بالأيمن الجانب الأيمن مقابل الأيسر وهو صفة الشاطئ ولا يعبؤ بما قاله بعضهم إن الأيمن من اليمين مقابل الأشأم من الشؤم. والبقعة المباركة قطعة خاصة من الشاطئ الأيمن في الوادي كانت فيه الشجرة التي نودي منها، ومباركتها لتشرفها بالتقريب والتكليم الإِلهي وقد أُمر بخلع نعليه فيها لتقدسها كما قال تعالى في القصة من سورة طهفاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى } طه 12. ولا ريب في دلالة الآية على أن الشجرة كانت مبدءً للنداء والتكليم بوجه غير أن الكلام وهو كلام الله سبحانه لم يكن قائماً بها كقيام الكلام بالمتكلم منا فلم تكن إلا حجاباً احتجب سبحانه به فكلمه من ورائه بما يليق بساحة قدسه من معنى الاحتجاب وهو على كل شيء محيط، قال تعالىوما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } الشورى 51. ومن هنا يظهر ضعف ما قيل إن الشجرة كانت محل الكلام لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل يقوم به. وكذا ما قيل إن هذا التكليم أعلى منازل الأنبياء عليهم السلام أن يسمعوا كلام الله سبحانه من غير واسطة ومبلغ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد