الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } * { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

بيان فصل ثالث من قصته عليه السلام يذكر فيه خروجه من مصر إلى مدين عقيب قتله القبطي خوفاً من فرعون وتزوّجه هناك بابنة شيخ كبير لم يسمَّ في القرآن لكن تذكر روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام وبعض روايات أهل السنة أنه هو شعيب النبي المبعوث إلي مدين. قوله تعالى { ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } قال في المجمع تلقاء الشيء حذاؤه، ويقال فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذاء داعي نفسه. وقال سواء السبيل وسط الطريق انتهى. ومدين - على ما في مراصد الاطلاع - مدينة قوم شعيب وهي تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب عليهما السلام انتهى، ويقال إنه كان بينهما وبين مصر مسيرة ثمان وكانت خارجة من سلطان فرعون ولذا توجه إليها. والمعنى ولما صرف وجهه بعد الخروج من مصر حذاء مدين قال أرجو من ربي أن يهديني وسط الطريق فلا أضل بالعدول عنه والخروج منه إلى غيره. والسياق - كما ترى - يعطي أنه عليه السلام كان قاصداً لمدين وهو لا يعرف الطريق الموصلة إليها فترجى أن يهديه ربه. قوله تعالى { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أُمة من الناس يسقون } الخ الذود الحبس والمنع، والمراد بقوله { تذودان } أنهما يحبسان أغنامهما من أن ترد الماء أو تختلط بأغنام القوم كما أن المراد بقوله { يسقون } سقيهم أغنامهم ومواشيهم، والرعاء جمع الراعي وهو الذي يرعى الغنم. والمعنى ولما ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم ووجد بالقرب منهم مما يليه امرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها أن ترد المورد قال موسى مستفسراً عنهما - حيث وجدهما تذودان الغنم وليس على غنمهما رجل - ما شأنكما؟ قالتا لا نسقي غنمنا أي عادتنا ذلك حتى يصدر الراعون ويخرجوا أغنامهم وأبونا شيخ كبير - لا يقدر أن يتصدى بنفسه أمر السقي ولذا تصدينا الأمر. قوله تعالى { فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } فهم عليه السلام من كلامهما أن تأخرهما في السقي نوع تعفف وتحجب منهما وتعد من الناس عليهما فبادر إلى ذلك وسقى لهما. وقوله { ثم تولى إلى الظل وقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير } أي انصرف إلى الظل ليستريح فيه والحر شديد وقال ما قال، وقد حمل الأكثرون قوله { ربِّ إني لما أنزلت } الخ على سؤال طعام يسدُّ به الجوع، وعليه فالأولى أن يكون المراد بقوله { ما أنزلت إليّ } القوة البدنية التي كان يعمل بها الأعمال الصالحة التي فيها رضى الله كالدفاع عن الإِسرائيلي والهرب من فرعون بقصد مدين وسقي غنم شعيب واللام في { لما أنزلت } بمعنى إلى وإظهار الفقر إلى هذه القوة التي أنزلها الله إليه من عنده بالإِفاضة كناية عن إظهار الفقر إلى شيء من الطعام تستبقى به هذه القوة النازلة الموهوبة.

السابقالتالي
2 3 4 5