الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } * { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } * { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

بيان إجمال من قصة صالح النبي عليه السلام وقومه، وجانب الإِنذار في الآيات يغلب على جانب التبشير كما تقدمت الإِشارة إليه. قوله تعالى { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً } إلى قوله { يختصمون } الاختصام والتخاصم التنازع وتوصيف التثنية بالجمع أعني قوله { فريقان } بقوله { يختصمون } لكون المراد بالفريقين مجموع الأُمة و { إذا } فجائية. والمعنى وأُقسم لقد أرسلنا إلى قوم ثمود أخاهم ونسيبهم صالحاً وكان المرجو أن يجتمعوا على الإِيمان لكن فاجأهم أن تفرقوا فريقين مؤمن وكافر يختصمون ويتنازعون في الحق كل يقول الحق معي، ولعل المراد باختصامهم ما حكاه الله عنهم في موضع آخر بقولهقال الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه قالوا إنا بما أُرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون } الأعراف 75ـ76. ومن هنا يظهر أن أحد الفريقين جمع من المستضعفين آمنوا به والآخر المستكبرون وباقي المستضعفين ممن اتبعوا كبارهم. قوله تعالى { قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة } الخ الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة المبادرة إلى سؤال العذاب قبل الرحمة التي سببها الإِيمان والاستغفار. وبه يظهر أن صالحاً عليه السلام إنما وبخهم بقوله هذا بعد ما عقروا الناقة وقالوا له يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فيكون قوله { لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون } تحضيضاً إلى الإِيمان والتوبة لعل الله يرحمهم فيرفع عنهم ما وعدهم من العذاب وعداً غير مكذوب. قوله تعالى { قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله } الخ التطيّر هو التشأم، وكانوا يتشأمون كثيراً بالطير ولذا سموا التشأم تطيراً ونصيب الإِنسان من الشر طائراً كما قيل. فقولهم خطاباً لصالح { اطيرنا بك وبمن معك } أي تشأمنا بك وبمن معك ممن آمن بك ولزمك لما أن قيامك بالدعوة وإيمانهم بك قارن ما ابتلينا به من المحن والبلايا فلسنا نؤمن بك. وقوله خطاباً للقوم { طائركم عند الله } أي نصيبكم من الشر وهو الذي تستوجبه أعمالكم من العذاب عند الله سبحانه. ولذا أضرب عن قوله { طائركم عند الله } بقوله { بل أنتم قوم تفتنون } أي تختبرون بالخير والشر ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم. ومعنى الآية قال القوم تطيرنا بك يا صالح وبمن معك فلن نؤمن ولن نستغفر قال صالح طائركم الذي فيه نصيبكم من الشر عند الله وهو كتاب أعمالكم ولست أنا ومن معي ذوي أثر فيكم حتى نسوق إليكم هذه الابتلاءات بل أنتم قوم تختبرون وتمتحنون بهذه الأمور ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم. وربما قيل إن الطائر هو السبب الذي منه يصيب الإِنسان ما يصيبه من الخير والشر، فإنهم كما كانوا يتشأمون بالطير كانوا أيضاً يتيمنون به والطائر عندهم الأمر الذي يستقبل الإِنسان بالخير والشر كما في قوله تعالى

السابقالتالي
2