الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } * { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }

بيان غرض السورة - على ما تدلُّ عليه آيات صدرها والآيات الخمس الخاتمة لها - التبشير والإِنذار وقد استشهد لذلك بطرف من قصص موسى وداود وسليمان وصالح ولوط عليهم السلام ثم عقبها ببيان نبذة من أُصول المعارف كوحدانيته تعالى في الربوبية والمعاد وغير ذلك. قوله تعالى { تلك آيات الكتاب وقرآن مبين } الإِشارة بتلك - كما مر في أول سورة الشعراء - إلى آيات السورة مما ستنزل بعد وما نزلت قبل، والتعبير باللفظ الخاص بالبعيد للدلالة على رفعة قدرها وبعد منالها. والقرآن اسم للكتاب باعتبار كونه مقرواً، والمبين من الإِبانة بمعنى الإِظهار، وتنكير { قرآن } للتفخيم أي تلك الآيات الرفيعة القدر التي ننزلها آيات الكتاب وآيات كتاب مقروّ عظيم الشأن مبين لمقاصده من غير إبهام ولا تعقيد. قال في مجمع البيان وصفه بالصفتين يعني الكتاب والقرآن ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة ويظهر بالكتابة وهو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعاً، ووصفه بأنه مبين تشبيه له بالناطق بكذا. انتهى. قوله تعالى { هدىً وبشرى للمؤمنين } المصدران أعني { هدىً وبشرى } بمعنى اسم الفاعل أو المراد بهما المعنى المصدري للمبالغة. قوله تعالى { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } الخ، المراد إتيان الأعمال الصالحة وإنما اقتصر على الصلاة والزكاة لكون كل منها ركناً في بابه فالصلاة فيما يرجع إلى الله تعالى والزكاة فيما يرجع إلى الناس وبنظر آخر الصلاة في الأعمال البدنية والزكاة في الأعمال المالية. وقوله { وهم بالآخرة هم يوقنون } وصف آخر للمؤمنين معطوف على ما قبله جيء به للإِشارة إلى أن هذه الأعمال الصالحة إنما تقع موقعها وتصيب غرضها مع الإِيقان بالآخرة فإن العمل يحبط مع تكذيب الآخرة، قال تعالىوالذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم } الأعراف 147. وتكرار الضمير في قوله { وهم بالآخرة هم } الخ للدلالة على أن هذا الإِيقان من شأنهم وهم أهله المترقب منهم ذلك. قوله تعالى { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون } العمه التحير في الأمر ومعنى تزيين العمل جعله بحيث ينجذب إليه الإِنسان والذين لا يؤمنون بالآخرة لما أنكروها وهي غاية مسيرهم يبقوا في الدنيا وهي سبيل لا غاية فتعلقوا بأعمالهم فيها وكانوا متحيرين في الطريق لا غاية لهم يقصدونها. قوله تعالى { أُولئك الذين لهم سوء العذاب } الخ إيعاد بمطلق العذاب من دنيوي وأُخروي بدليل ما في قوله { وهم في الآخرة هم الأخسرون } ولعل وجه كونهم أخسر الناس أن سائر العصاة لهم صحائف أعمال مثبتة فيها سيئاتهم وحسناتهم يجازون بها وأما هؤلاء فسيئاتهم محفوظة عليهم يجازون بها وحسناتهم حابطة. قوله تعالى { وإنك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم } التلقية قريبة المعنى من التلقين، وتنكير { حكيم عليم } للتعظيم، والتصريح بكون هذا القرآن من عنده تعالى ليكون ذلك حجة على الرسالة وتأييداً لما تقدم من المعارف ولصحة ما سيذكره من قصص الأنبياء عليهم السلام. وتخصيص الاسمين الكريمين للدلالة على نزوله من ينبوع الحكمة فلا ينقضه ناقض ولا يوهنه موهن، ومنبع العلم فلا يكذب في خبره لا يخطئ في قضائه.