الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } * { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } * { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } * { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } * { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } * { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } * { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } * { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } * { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } * { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

بيان تشير الآيات بعد الفراغ عن قصة موسى إلى نبأ إبراهيم عليه السلام وهو خبره الخطير إذ انتهض لتوحيد الله سبحانه بفطرته الزاكية الطاهرة من بين قومه المطبقين على عبادة الأصنام فتبرَّأ منهم ودافع عن الحق ثم كان من أمره ما قد كان ففي ذلك آية ولم يؤمن به أكثر قومه كما سيشير إلى ذلك في آخر الآيات. قوله تعالى { واتلُ عليهم نبأ إبراهيم } غيّر السياق عما كان عليه أول القصة { وإذ نادى ربك موسى } الخ، لمكان قوله { عليهم } فإن المطلوب تلاوته على مشركي العرب وعمدتهم قريش وإبراهيم هذا أبوهم وقد قام لنشر التوحيد وإقامة الدين الحق ولم يكن بينهم يومئذ من يقول لا إله إلا الله، فنصر الله ونصره حتى ثبتت كلمة التوحيد في الأرض المقدسة وفي الحجاز. فلم يكن ذلك كله إلا عن دعوة من الفطرة وبعث من الله سبحانه ففي ذلك آية لله فليعتبروا به وليتبرّءوا من دين الوثنية كما تبرأ منه ومن أبيه وقومه المنتحلين به أبوهم إبراهيم عليه السلام. قوله تعالى { إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون } مخاصمته ومناظرته عليه السلام مع أبيه غير مخاصمته مع قومه واحتجاجه عليهم كما حكاه الله تعالى في سورة الأنعام وغيرها لكن البناء ها هنا على الإِيجاز والاختصار ولذا جمع بين المحاجتين وسبكهما محاجة واحدة أورد فيها ما هو القدر المشترك بينهما. وقوله { ما تعبدون } سؤال عن الحقيقة بوضع نفسه موضع من لا يعرف شيئاً من حقيقتها وسائر شؤونها وهذا من طرق المناظرة سبيل من يريد أن يبين الخصم حقيقة مدّعاه وسائر شؤونه حتى يأخذه بما سمع من اعترافه. على أن هذه المحاجة كانت من إبراهيم أول ما خرج من كهفه ودخل في مجتمع أبيه وقومه ولم يكن شهد شيئاً من ذلك قبل اليوم فحاجَّهم عن فطرة ساذجة طاهرة كما تقدم تفصيل القول فيه في تفسير سورة الأنعام. قوله تعالى { قالوا نعبد أصناماً فنظلّ لها عاكفين } ظلَّ بمعنى دام، والعكوف على الشيء ملازمته والإِقامة عنده، واللام في { لها } للتعليل أي ندوم عاكفين عليها لأجلها وهو تفريع على عبادة الأصنام. والصنم جثة مأخوذة من فلزّ أو خشب أو غير ذلك على هيئة خاصة يمثل بها ما في المعبود من الصفات، وهؤلاء كانوا يعبدون الملائكة والجن وهم يرون أنها روحانيات خارجة عن عالم الأجسام منزّهة عن خواص المادة وآثارها، ولما كان من الصعب عليهم التوجه العبادي إلى هذه الروحانيات باستحضارها للإِدراك توسلوا إلى ذلك باتخاذ صور وتماثيل جسمانية تمثل بأشكالها وهيئاتها ما هناك من المعنويات. وكذلك الحال في عبادة عبّاد الكواكب لها فإن المعبود الأصلي هناك روحانيات الكواكب ثم اتخذ أجرام الكواكب أصناماً لروحانياتها ثم لما اختلفت أحوال الكواكب بالحضور والغيبة والطلوع والغروب اتخذوا لها أصناماً تمثل ما للكواكب من القوى الفعَّالة فيما دونها من عالم العناصر كالقوة الفاعلة للطرب والسرور والنشاط في الزهرة فيصورونها في صورة فتاة، ولسفك الدماء في المريخ، وللعلم والمعرفة في عطارد وعلى هذا القياس الأمر في أصنام القدّيسين من الإِنسان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد