الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } * { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

بيان غرض السورة تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبال ما كذَّبه قومه وكذَّبوا بكتابه النازل عليه من ربه - على ما يلوِّح إليه صدر السورة تلك آيات الكتاب المبين - وقد رموه تارة بأنه مجنون وأُخرى بأنه شاعر، وفيها تهديدهم مشفَّعاً ذلك بإيراد قصص جمع من الأنبياء وهم موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام وما انتهت إليه عاقبة تكذيبهم لتتسلى به نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يحزن بتكذيب أكثر قومه وليعتبر المكذبون. والسورة من عتائق السورة المكية وأوائلها نزولاً واشتملت على قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين }. وربما أمكن أن يستفاد من وقوع هذه الآية في هذه السورة ووقوع قوله { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } في سورة الحجر وقياس مضمونيهما كل مع الأخرى أن هذه السورة أقدم نزولاً من سورة الحجر وظاهر سياق آيات السورة أنها جميعاً مكية واستثنى بعضهم الآيات الخمس التي في آخرها، وبعض آخر قوله { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } وسيجيء الكلام فيهما. قوله تعالى { طسم تلك آيات الكتاب المبين } الإِشارة بتلك إلى آيات الكتاب مما سينزل بنزول السورة وما نزل قبل، وتخصيصها بالإِشارة البعيدة للدلالة على علوِّ قدرها ورفعة مكانتها، والمبين من أبان بمعنى ظهر وانجلى. والمعنى تلك الآيات العالية قدراً الرفيعة مكاناً آيات الكتاب الظاهر الجلي كونه من عند الله سبحانه بما فيه من سمة الإِعجاز وإن كذَّب به هؤلاء المشركون المعاندون ورموه تارة بأنه من إلقاء شياطين الجن وأُخرى بأنه من الشعر. قوله تعالى { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } البخوع هو إهلاك النفس عن وجد، وقوله { ألا يكونوا مؤمنين } تعليل للبخوع، والمعنى يرجى منك أن تهلك نفسك بسبب عدم إيمانهم بآيات هذا الكتاب النازل عليك. والكلام مسوق سوق الإِنكار والغرض منه تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله تعالى { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين } تعلق المشيّة محذوف لدلالة الجزاء عليه، وقوله { فظلّت } الخ، ظلَّ فعل ناقص اسمه { أعناقهم } وخبره { خاضعين } ونسب الخضوع إلى أعناقهم وهو وصفهم أنفسهم لأن الخضوع أول ما يظهر في عنق الإِنسان حيث يطأطئ رأسه تخضعاً فهو من المجاز العقلي. والمعنى إن نشأ أن ننزِّل عليهم آية تخضعهم وتلجئهم إلى القبول وتضطرهم إلى الإِيمان ننزل عليهم آية كذلك فظلوا خاضعين لها خضوعاً بيِّناً بانحناء أعناقهم. وقيل المراد بالأعناق الجماعات وقيل الرؤساء والمقدَّمون منهم، وقيل هو على تقدير مضاف والتقدير فضلت أصحاب أعناقهم خاضعين لها. وهو أسخف الوجوه. قوله تعالى { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين } بيان لاستمرارهم على تكذيب آيات الله وتمكن الإِعراض عن ذكر الله في نفوسهم بحيث كلما تجدد عليهم ذكر من الرحمن ودعوا إليه دفعه بالإِعراض.

السابقالتالي
2 3 4