الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } * { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } * { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

بيان تشير الآيات إلى إجمال قصة صالح عليه السلام وقومه وهو من أنبياء العرب ويذكر في القرآن بعد هود عليه السلام. قوله تعالى { كذبت ثمود المرسلين } إلى قوله { على رب العالمين } قد اتضح معناها مما تقدم. قوله تعالى { أتتركون فيما ها هنا آمنين } الظاهر أن الاستفهام للانكار و { ما } موصولة والمراد بها النعم التي يفصلها بعد قوله { في جنات وعيون } الخ، و { ها هنا } إشارة إلى المكان الحاضر القريب وهو أرض ثمود و { آمنين } حال من نائب فاعل { تتركون }. والمعنى لا تتركون في هذه النعم التي أحاطت بكم في أرضكم هذه وأنتم مطلقو العنان لا تسألون عما تفعلون آمنون من أي مؤاخذة إلهية. قوله تعالى { في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم } بيان تفصيلي لقوله { فيما ها هنا } ، وقد خص النخل بالذكر مع دخوله في الجنات لاهتمامهم به، والطلع في النخل كالنور في سائر الأشجار والهضيم - على ما قيل - المتداخل المنضم بعضه إلى بعض. قوله تعالى { وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين } قال الراغب الفره - بالفتح فالكسر صفة مشبهة - الأشر، وقوله تعالى { وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين } أي حاذقين وقيل معناه أشرين. انتهى ملخصاً، وعلى ما اختاره تكون الآية من بيان النعمة، وعلى المعنى الآخر تكون مسوقة لإِنكار أشرهم وبطرهم. والآية على أي حال في حيز الاستفهام. قوله تعالى { فاتقوا الله وأطيعون } تفريع على ما تقدم من الإِنكار الذي في معنى المنفي. قوله تعالى { ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون } الظاهر أن المراد بالأمر ما يقابل النهي بقرينة النهي عن طاعته وإن جوّز بعضهم كون الأمر بمعنى الشأن وعليه يكون المراد بطاعة أمرهم تقليد العامة واتباعهم لهم في أعمالهم وسلوكهم السبل التي يستحبون لهم سلوكها. والمراد بالمسرفين على أي حال أشراف القوم وعظماؤهم المتبوعون والخطاب للعامة التابعين لهم وأما السادة الأشراف فقد كانوا مأيوساً من إيمانهم واتباعهم للحق. ويمكن أن يكون الخطاب للجميع من جهة أن الأشراف منهم أيضاً كانوا يقلدون آباءهم ويطيعون أمرهم كما قالوا لصالح عليه السلامأتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } هود 62، فقد كانوا جميعاً يطيعون أمر المسرفين فنهوا عنه. وقد فسَّر المسرفين وهم المتعدون عن الحق الخارجون عن حد الاعتدال بتوصيفهم بقوله { الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون } إشارة إلى علة الحكم الحقيقية فالمعنى اتقوا الله ولا تطيعوا أمر المسرفين لأنهم مفسدون في الأرض غير مصلحين والإِفساد لا يؤمن معه العذاب الإِلهي وهو عزيز ذو انتقام. وذلك أن الكون على ما بين أجزائه من التضادّ والتزاحم مؤلف تأليفاً خاصاً يتلاءم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار كالأمر في كفتي الميزان فإنهما على اضطرابهما واختلافهما الشديد بالارتفاع والانخفاض متوافقتان في تعيين وزن المتاع الموزون وهو الغاية والعالم الإِنساني الذي هو جزء من الكون كذلك ثم الفرد من الإِنسان بما له من القوى والأدوات المختلفة المتضادة مفطور على تعديل أفعاله وأعماله بحيث تنال كل قوة من قواه حظها المقدّر لها وقد جهز بعقل يميز بين الخير والشر ويعطي كل ذي حق حقه.

السابقالتالي
2 3