بيان تذكر الآيات بعض صفات أُولئك الكفار القادحين في الكتاب والرسالة والمنكرين للتوحيد والمعاد مما يناسب سنخ اعتراضاتهم واقتراحاتهم كاستهزائهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واتباعهم الهوى وعبادتهم لما لا ينفعهم ولا يضرهم واستكبارهم عن السجود لله سبحانه. قوله تعالى { وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث الله رسولاً } ضمير الجمع للذين كفروا السابق ذكرهم، والهزؤ الاستهزاء والسخرية فالمصدر بمعنى المفعول، والمعنى وإذا رآك الذين كفروا لا يتخذونك إلا مهزوّاً به. وقوله { أهذا الذي بعث الله رسولاً } بيان لاستهزائهم أي يقولون كذا استهزاء بك. قوله تعالى { إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } الخ { إن } مخففة من الثقيلة، والإِضلال كأنه مضمن معنى الصرف ولذا عدّي بعن، وجواب لولا محذوف يدل عليه ما تقدمه، والمعنى أنه قرب أن يصرفنا عن آلهتنا مضلاً لنا لولا أن صبرنا على آلهتنا أي على عبادتها لصرفنا عنها. وقوله { وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلاً } توعد وتهديد منه تعالى لهم وتنبيه أنهم على غفلة مما سيستقبلهم من معاينة العذاب واليقين بالضلال والغي. قوله تعالى { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً } الهوى ميل النفس إلى الشهوة من غير تعديله بالعقل، والمراد باتخاذ الهوى إلهاً طاعته واتباعه من دون الله وقد أكثر الله سبحانه في كلامه ذم اتباع الهوى وعدَّ طاعة الشيء عبادة له في قوله{ ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن أعبدوني } يس 60ـ71. وقوله { أَفأَنت تكون عليه وكيلاً } استفهام إنكاري أي لست أنت وكيلاً عليه قائماً على نفسه وباموره حتى تهديه إلى سبيل الرشد فليس في مقدرتك ذلك وقد أضله الله وقطع عنه أسباب الهداية وفي معناه قوله{ إنك لا تهدي من أحببت } القصص 56، وقوله{ وما أنت بمسمع من في القبور } فاطر 22، والآية كالإِجمال للتفصيل الذي في قوله{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله } الجاثية 23. ويظهر مما تقدم من المعنى أن قوله { اتخذ إلهه هواه } على نظمه الطبيعي أي إن { اتخذ } فعل متعد إلى مفعولين و { إلهه } مفعوله الأول و { هواه } مفعول ثان له فهذا هو الذي يلائم السياق وذلك أن الكلام حول شرك المشركين وعدولهم عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام، وإعراضهم عن طاعة الحق التى هي طاعة الله إلى طاعة الهوى الذي يزين لهم الشرك، وهؤلاء يسلّمون أن لهم إلهاً مطاعاً وقد أصابوا في ذلك، لكنهم يرون أن هذا المطاع هو الهوى فيتخذونه مطاعاً بدلاً من أن يتَّخذوا الحق مطاعاً فقد وضعوا الهوى موضع الحق لا أنهم وضعوا المطاع موضع غيره فافهم.