الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } * { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } * { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }

بيان نقل لطعن آخر مما طعنوا به في القرآن وهو أنه لم ينزل جملة واحدة والجواب عنه. قوله تعالى { وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة } المراد بهم مشركو العرب الرادّون لدعوة القرآن كما في قدحهم السابق المحكي بقوله { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه } الخ. وقوله { لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة } قد تقدم أن الإِنزال والتنزيل إنما يفترقان في أن الإِنزال يفيد الدفعة والتنزيل يفيد التدريج لكن ذكر بعضهم أن التنزيل في هذه الآية منسلخ عن معنى التدريج لأدائه إلى التدافع إذ يكون المعنى على تقدير إرادة التدريج لولا فرِّق القرآن جملة واحدة والتفريق ينافي الجملية بل المعنى هلاّ أُنزل القرآن عليه دفعة غير مفرق كما أُنزل التوراة والإِنجيل والزبور. لكن ينبغي أن يعلم أنَّ نزول التوراة مثلاً كما هو الظاهر المستفاد من القرآن كانت دفعة في كتاب مكتوب في ألواح والقرآن إنما كان ينزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم بالتلقي من عند الله بتوسط الروح الأمين كما يتلقى السامع الكلام من المتكلم، والدفعة في إيتاء كتاب مكتوب وتلقيه تستلزم المعية بين أوله وآخره لكنه إذا كان بقراءة وسماع لم يناف التدريج بين أجزائه وأبعاضه بل من الضروري أن يؤتاه القارئ ويتلقاه السامع آخذاً من أوله إلى آخره شيئاً فشيئاً. وهؤلاء إنما كانوا يقترحون نزول القرآن جملة واحدة على ما كانوا يشاهدون أو يسمعون من كيفية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو تلقي الآيات بألفاظها من لسان ملك الوحي فكان اقتراحهم أن الذي يتلوه ملك الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سورة بعد سورة وآية بعد آية ويتلقاه هو كذلك فليقرأ جميع ذلك مرة واحده وليتلقه هو مرة واحدة ولو دامت القراءة ولتلقّي مدة من الزمان، وهذا المعنى أوفق بالتنزيل الدال على التدريج. وأما كون مرادهم من اقتراح نزوله جملة واحدة أن ينزل كتاباً مكتوباً دفعة كما نزلت التوراة وكذا الإِنجيل والزبور على ما هو المعروف عندهم فلا دلالة في الكلام المنقول عنهم على ذلك. على أنهم ما كانوا مؤمنين بهذه الكتب السماوية حتى يسلموا نزولها دفعة. وكيف كان فقولهم { لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة } اعتراض منهم على القرآن من جهة نحو نزوله، يريدون به أنه ليس بكتاب سماوي نازل من عند الله سبحانه إذ لو كان كتاباً سماوياً متضمناً لدين سماوي يريده الله من الناس وقد بعث رسولاً يبلّغه الناس لكان الدين المضمن فيه المراد من الناس ديناً تامة أجزاؤه معلومة أصوله وفروعه مجموعة فرائضه وسننه وكان الكتاب المشتمل عليه منظمة أجزاؤه، مركبّة بعضه على بعض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9