الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } * { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }

بيان تحكي الآيات اعتراضاً آخر من المشركين على رسالة الرسول يردُّون به عليه محصّله أنه لو جاز أن يكون من البشر بما هو بشر رسول تنزل عليه الملائكة بالوحي من الله سبحانه أو يراه تعالى فيكلمه وحياً لكان الرسول وسائر البشر سواء في هذه الخصيصة فإن كان ما يدَّعيه من الرسالة حقاً لكنّا أو كان البعض منا يرى ما يدَّعي رؤيته ويجد من نفسه ما يجده. وهذا الاعتراض مما سبقهم إليه أُمم الأنبياء الماضين كما حكاه اللهقالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا } إبراهيم 10، وقد مرَّ تقريبه مراراً. وهذا مع ما تقدم من إعتراض بقولهم { ما لهذا الرسول يأكل الطعام } الخ، بمنزلة حجة واحدة تلزم الخصم بأحد محذورين ومحصّل تقريره أن الرسالة التى يدّعيها هذا الرسول إن كانت موهبة سماوية واتصالاً غيبياً لا حظ فيها للبشر بما هو بشر فلينزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقي إليه كنز أو يجعل له جنة يأكل منها، وإن كانت خاصة من شأن البشر بما هو بشر أن ينالها يتصف بها فما بالنا لا نجدها في أنفسنا؟ فلولا أُنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا. وقد أجاب الله سبحانه عن الشق الأول بما تقدم تقريره، وعن الثاني بأنهم سيرون الملائكة لكن في نشأة غير هذه النشأة الدنيوية، والجواب في معنى قولهما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين } الحجر 8 وسيجيء تقريره، وفي الآيات إشارة إلى ما بعد الموت ويوم القيامة. قوله تعالى { وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أُنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً } قال في مجمع البيان الرجاء ترقّب الخير الذي يقوى في النفس وقوعه ومثله الطمع والأمل، واللقاء المصير إلى الشيء من غير حائل، والعتوّ الخروج إلى أفحش الظلم. انتهى. المراد باللقاء الرجوع إلى الله يوم القيامة سمّي به لبروزهم إليه تعالى بحيث لا يبقى في البين حائل جهل أو غفلة لظهور العظمة الإِلهية كما قال تعالى { ويعلمون أن الله هو الحق المبين }. فالمراد بعدم رجائهم اللقاء إنكارهم للمعاد وتكذيبهم بالساعة ولم يعبّر عنه بتكذيب الساعة ونحوه كما عبّر في الآيات السابقة لمكان ذكرهم مشاهدة الملائكة ورؤية الرب تعالى وتقدس ففيه إشارة إلى أنهم إنما قالوا ما قالوا وطلبوا إنزال الملائكة أو رؤية الرب ليأسهم من اللقاء وزعمهم استحالة ذلك فقد ألزموا بما هو مستحيل على زعمهم. فقولهم { لولا أُنزل إلينا الملائكة أو نرى ربنا } إعتراض منهم على رسالة الرسول أوردوه في صورة التحضيض كقولهم في موضع آخرلو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين } الحجر 7، وتقرير الحجة كما تقدمت الإِشارة إليه أنه لو كانت الرسالة - وهي نزول الملائكة بالوحي أو تكليمه تعالى البشر بالمشافهة - مما يتيسر للبشر نيله ونحن بشر أمثال هذا المدعي للرسالة فما بالنا لا ينزل علينا الملائكة ولا نرى ربنا؟ فهلا أُنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8