الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً }

بيان غرض السورة بيان أن دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوة حقة عن رسالة من جانب الله تعالى وكتاب نازل من عنده وفيها عناية بالغة بدفع ما أورده الكفار على كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً من جانب الله وكون كتابه نازلاً من عنده ورجوع إليه كرة بعد كرة. وقد استتبع ذلك شيئاً من الاحتجاج على التوحيد ونفي الشريك وذكر بعض أوصاف يوم القيامة وذكر نبذة من نعوت المؤمنين الجميلة، والكلام فيها جار على سياق الإِنذار والتخويف دون التبشير. والسورة مكية على ما يشهد به سياق عامة آياتها نعم ربما استثني منها ثلاث آيات وهي قوله تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } إلى قوله { غفوراً رحيماً }. ولعل الوجه فيه اشتمالها على تشريع حرمة الزنا لكنَّك قد عرفت فيما أوردناه من أخبار آية الخمر من سورة المائدة أن الزنا والخمر كانا معروفين بالتحريم في الإِسلام من أول ظهور الدعوة الإِسلامية. ومن العجيب قول بعضهم إن السورة مدنية كلها إلا ثلاث آيات من أولها { تبارك الذي } إلى قوله { نشوراً }. قوله تعالى { تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً } البركة بفتحتين ثبوت الخير في الشيء كثبوت الماء في البركة بالكسر فالسكون مأخوذ من برك البعير إذا ألقى صدره على الأرض واستقرَّ عليها، ومنه التبارك بمعنى ثبوت الخير الكثير وفي صيغته دلالة على المبالغة على ما قيل، وهو كالمختص به تعالى لم يطلق على غيره إلا على سبيل الندرة. والفرقان هو الفرق سمّي به القرآن لنزول آياته متفرقة أو لتمييزه الحق من الباطل ويؤيد هذا المعنى إطلاق الفرقان في كلامه تعالى على التوراة أيضاً مع نزولها دفعة، قال الراغب في المفردات والفرقان أبلغ من الفرق لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل، وتقديره كتقدير رجل قُنعان يقنع به في الحكم، وهو اسم لا مصدر فيما قيل، والفرق يستعمل فيه وفي غيره. انتهى. والعالمون جمع عالم ومعناه الخلق قال في الصحاح العالم الخلق والجمع العوالم، والعالمون أصناف الخلق انتهى. واللفظة وإن كانت شامة لجميع الخلق من الجماد والنبات والحيوان والإِنسان والجن والملك لكن سياق الآية - وقد جعل فيها الإِنذار غاية لتنزيل القرآن - يدل على كون المراد بها المكلفين من الخلق وهم الثقلان الإِنس والجن فيما نعلم. وبذلك يظهر عدم استقامة ما ذكره بعضهم أن الآية تدل على عموم رسالته صلى الله عليه وآله وسلم لجميع ما سوى الله فإن فيه غفلة عن وجه التعبير عن الرسالة بالإِنذار ونظير الآية قوله تعالىواصطفاك على نساء العالمين } آل عمران 42 وقوله

السابقالتالي
2 3 4 5