الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }

بيان غرض السورة ما ينبئ عنه مفتتحها { سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بيّنات لعلكم تذكّرون } فهي تذكرة نبذة من الأحكام المفروضة المشرّعة ثم جملة من المعارف الإِلهية تناسبها ويتذكر بها المؤمنون. وهي سورة مدنية بلا خلاف وسياق آياتها يشهد بذلك ومن غرر الآيات فيها آية النور. قوله تعالى { سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بيّنات لعلكم تذكّرون } السورة طائفة من الكلام يجمعها غرض واحد سيقت لأجله ولذا اعتبرت تارة نفس الآيات بما لها من المعاني فقيل { فرضناها } ، وتارة ظرفاً لبعض الآيات ظرفية المجموع للبعض فقيل { أنزلنا فيها آيات بينات } وهي مما وضعه القرآن وسمّى به طائفة خاصة من آياته وتكرر استعمالها في كلامه تعالى، وكأنه مأخوذ من سور البلد وهو الحائط الذي يحيط به سمّيت به سورة القرآن لإِحاطتها بما فيها من الآيات أو بالغرض الذي سيقت له. وقال الراغب الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه كفرض الحديد وفرض الزند والقوس. قال والفرض كالإِيجاب لكن الإِيجاب يقال اعتباراً بوقوعه وثباته، والفرض بقطع الحكم فيه، قال تعالى { سورة أنزلناها وفرضناها } أي أوجبنا العمل بها عليك. قال وكل موضع ورد { فرض الله عليه } ففي الإِيجاب الذي أدخله الله فيه، وما ورد { فرض الله له } فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له }. انتهى. فقوله { سورة أنزلناها وفرضناها } أي هذه سورة أنزلناها وأوجبنا العمل بما فيها من الأحكام فالعمل بالحكم الإِيجابي هو الإِتيان به وبالحكم التحريمي الانتهاء عنه. وقوله { وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكّرون } المراد بها - بشهادة السياق - آية النور وما يتلوها من الآيات المبينة لحقيقة الإِيمان والكفر والتوحيد والشرك المذكّرة لهذه المعارف الإِلهية. قوله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } الآية، الزنا المواقعة من غير عقد أو شبهة عقد أو ملك يمين، والجلد هو الضرب بالسوط والرأفة التحنن والتعطف وقيل هي رحمة في توجُّع، والطائفة في الأصل هي الجماعة كانوا يطوفون بالارتحال من مكان إلى مكان قيل وربما تطلق على الاثنين وعلى الواحد. وقوله { الزانية والزاني } الخ، أي المرأة والرجل اللذان تحقق منهما الزنا فاضربوا كل واحد منهما مائة سوط، وهو حدّ الزنا بنص الآية غير أنها مخصصة بصور منها أن يكونا محصنين ذوي زوج أو يكون أحدهما محصناً فالرجم ومنها أن يكونا غير حرّين أو أحدهما رقاً فنصف الحد. قيل وقدمت الزانية في الذكر على الزاني لأن الزنا منهن أشنع ولكون الشهوة فيهن أقوى وأكثر، والخطاب في الأمر بالجلد متوجه إلى عامة المسلمين فيقوم بمن قام بأمرهم من ذوي الولاية من النبي والإِمام ومن ينوب منابه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8