الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

بيان أحكام وشرائع متناسبة ومناسبة لما تقدَّم. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها } الخ، الأنس بالشيء وإليه الإِلفة وسكون القلب إليه، والاستيناس طلب ذلك بفعل يؤدّي إليه كالاستيناس لدخول بيت بذكر الله والتنحنح ونحو ذلك ليتنبَّه صاحب البيت أن هناك من يريد الدخول عليه فيستعدّ لذلك فربما كان في حال لا يحب أن يراه عليها أحد أو يطَّلع عليها مطَّلع. ومنه يظهر أن مصلحة هذا الحكم هو الستر على عورات الناس والتحفظ على كرامة الإِيمان فإذا استأنس الداخل عند إرادة الدخول على بيت غير بيته فأخبر باستيناسه صاحب البيت بدخوله ثم دخل فسلَّم عليه فقد أعانه على ستر عورته، وأعطاه الأمن من نفسه. ويؤدّي الاستمرار على هذا السيرة الجميلة إلى استحكام الأخوَّة والإِلفة والتعاون العام على إظهار الجميل والستر على القبيح وإليه الإِشارة بقوله { ذلكم خير لكم لعلكّم تذكرون } أي لعلكم بالاستمرار على هذه السيرة تتذكرون ما يجب عليكم رعايته وإحياؤه من سنة الاخوّة وتألّف القلوب التي تحتها كل سعادة اجتماعية. وقيل إن قوله { لعلكم تذكّرون } تعليل لمحذوف والتقدير قيل لكم كذا لعلكم تتذكرون مواعظ الله فتعملوا بموجبها، ولا بأس به. وقيل إن في قوله { حتى تستأنسوا وتسلّموا } تقديماً وتأخيراً والأصل حتى تسلّموا وتستأنسوا. وهو كما ترى. قوله تعالى { فإن لم تجدو فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم }... الخ، أي إن علمتم بعدم وجود أحد فيها - وهو الذي يملك الإِذن - فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم من قبل من يملك الإِذن، وليس المراد به أن يتطلع على البيت وينظر فيه فإن لم يرَ فيه أحداً كفَّ عن الدخول فإن السياق يشهد على أن المنع في الحقيقة عن النظر والإِطّلاع على عورات الناس. وهذه الآية تبين حكم دخول بيت الغير وليس فيه من يملك الإِذن، والآية السابقة تبين حكم الدخول وفيه من يملك الإِذن ولا يمنع، وأما دخوله وفيه من يملك الإِذن ويمنع ولا يأذن فيه فيبين حكمه قوله تعالى { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم }. قوله تعالى { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم } الخ، ظاهر السياق كون قوله { فيها متاع لكم } صفة بعد صفة لقوله { بيوتاً } لا جملة مستأنفة معلّلة لقوله { ليس عليكم جناح } ، والظاهر أن المتاع بمعنى الاستمتاع. ففيه تجويز الدخول في بيوت معدَّة لأنواع الاستمتاع وهي غير مسكونة بالطبع كالخانات والحمامات والأرحية ونحوها فإن كونها موضوعة للاستمتاع إذن عام في دخولها. وربما قيل إن المراد بالمتاع المعنى الاسمي وهو الأثاث والأشياء الموضوعة للبيع والشرى كما في بيوت التجارة والحوانيت فإنها مأذونة في دخولها إذناً عاماً ولا يخلو من بعد لقصور اللفظ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7