الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } * { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } * { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } * { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }

بيان لما أوعدهم بعذاب شديد لا مردَّ له ولا مخلص منه، وردَّ عليهم كل عذر يمكنهم أن يعتذروا به، وبيَّن أن السبب الوحيد لكفرهم الله واليوم الآخر هو اتباع الهوى وكراهة اتباع الحق، تمّم البيان بإقامة الحجة على توحده في الربوبية وعلى رجوع الخلق إليه بذكر آيات بيّنة لا سبيل للإِنكار إليها. وعقَّب ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستعيذ به من أن يشمله العذاب الذي أُوعدوا به، وأن يعوذ به من همزات الشيطان وأن يحضروه كما فعلوا بهم. قوله تعالى { وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون } افتتح سبحانه من نعمه التي أنعمها عليهم بذكر إنشاء السمع والبصر وهما نعمتان خصَّ بهما جنس الحيوان خلقتا فيه إنشاء وإبداعاً لا عن مثال سابق إذ لا توجدان في الأنواع البسيطة التي قبل الحيوان كالنبات والجماد والعناصر. وبحصول هذين الحسّين يقف الوجود المجهز بهما موقفاً جديداً ويتسع مجال فعاليته بالنسبة إلى ما هو محروم منهما اتساعاً لا يتقدر بقدر فيدرك خيره وشره ونافعه وضارّه ويعطي معهما الحركة الإِرادية إلى ما يريده وعما يكرهه، ويستقر في عالم حديث طري فيه مجالي الجمال واللذة والعزة والغلبة والمحبة مما لا خبر عنه فيما قبله. وإنما اقتصر من الحواس بالسمع والبصر - قيل - لأن الاستدلال يتوقف عليهما ويتمّ بهما. ثم ذكر سبحانه الفؤاد والمراد به المبدأ الذي يعقل من الإِنسان وهو نعمة خاصة بالإِنسان من بين سائر الحيوان ومرحلة حصول الفؤاد مرحلة وجودية جديدة هي أرفع درجة وأعلى منزلة وأوسع مجالاً من عالم الحيوان الذي هو عالم الحواس فيتسع به أولاً شعاع عمل الحواس مما كان عليه في عامة الحيوان بما لا يتقدر بقدر فإذا الإِنسان يدرك بهما ما غاب وما حضر وما مضى وما غبر من أخبار الأشياء وآثارها وأوصافها بعلاج وغير علاج. ثم يرقى بفؤاده أي بتعقله إلى ما فوق المحسوسات والجزئيات فيتعقل الكليات فيحصل القوانين الكلية، ويغور متفكراً في العلوم النظرية والمعارف الحقيقية، وينفذ بسلطان التدبر في أقطار السماوات والأرض. ففي ذلك كله من عجيب التدبير الإِلهي بإنشاء السمع والأبصار والأفئدة ما لا يسع الإِنسان أن يستوفي شكره. وقوله { قليلاً ما تشكرون } فيه بعض العتاب ومعناه تشكرون شكراً قليلاً فقوله { قليلاً } وصف للمفعول المطلق قائم مقامه. قوله تعالى { وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون } قال الراغب الذرأ إظهار الله تعالى ما أبداه يقال ذرأ الله الخلق أي أوجد أشخاصهم. وقال الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها. انتهى. فالمعني أنه لما جعلكم ذوي حس وعقل أظهر وجودكم في الأرض متعلقين بها ثم يجمعكم ويرجعكم إلى لقائه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10