الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } * { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } * { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } * { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } * { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } * { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ } * { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } * { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } * { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } * { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } * { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ }

بيان بعدما عدَّ نعمه العظام على الناس عقّبه في هذه الآيات بذكر دعوتهم إلى توحيد عبادته من طريق الرسالة وقصّ إجمال دعوة الرسل من لدن نوح إلى عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولم يصرّح من أسمائهم إلا باسم نوح وهو أول الناهضين لدعوة التوحيد واسم موسى وعيسى عليهما السلام وهما في آخرهم، وأبهم أسماء الباقين غير أنه صرّح باتصال الدعوة وتواتر الرسل، وأن الناس لم يستجيبوا إلا بالكفر بآيات الله والكفران لنعمه. قوله تعالى { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } قد تقدم في قصص نوح عليه السلام من سورة هود أنه أول أُولي العزم من الرسل أصحاب الكتب والشرائع المبعوثين إلى عامة البشر والناهضين للتوحيد ونفي الشرك، فالمراد بقومه أُمته وأهل عصره عامة. وقوله { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } دعوة إلى عبادة الله ورفض عبادة الآلهة من دونه فإن الوثنيين إنما يعبدون غيره من الملائكة والجنّ والقدِّيسين بدعوى أُلوهيتهم أي كونهم معبودين من دونه. قال بعض المفسرين إن معنى { اعبدوا الله } اعبدوه وحده كما يفصح عنه قوله في سورة هود { ألاّ تعبدوا إلا الله } وترك التقييد به للإِيذان بأنها هي العبادة فقط وأما العبادة مع الإِشراك فليست من العبادة في شيء رأساً. انتهى. وفيه غفلة أو ذهول عن أن الوثنيين لا يعبدون الله سبحانه أصلاً بناءً على أن العبادة توجّه من العابد إلى المعبود، والله سبحانه أجلُّ من أن يحيط به توجّه متوجّه أو علم عالم، فالوجه أن يتقرب إلى خاصة خلقه من الملائكة وغيره ليشفعوا عنده ويقرّبوا منه، والعبادة بإزاء التدبير وأمر التدبير مفوض إليهم منه تعالى فهم الآلهة المعبودون والأرباب من دونه. ومن هنا يظهر أنه لو جازت عبادته تعالى عندهم لم يجز إلا عبادته وحده لأنهم لا يرتابون في أنه تعالى رب الأرباب موجد الكل ولو صحّت عبادته لم تجز إلا عبادته وحده ولم تصح عبادة غيره لكنهم لا يرون صحتها بناء على ما زعموه من الوجه المتقدم. فقوله عليه السلام لقومه الوثنيين { اعبدوا الله } في معنى أن يقال اعبدوا الله وحده كما ورد في سورة هود { أن لا تعبدوا إلا الله } ، وقوله { ما لكم من إله غيره } في معنى أن يقال ما لكم من معبود سواه لأنه لا رب غيره يدبر أمركم حتى تعبدوه رجاء لرحمته أو خوفاً من سخطه، وقوله بالتفريع على ذلك { أفلا تتقون } أي إذا لم يكن لكم رب يدبر أُموركم دونه أفلا تتقون عذابه حيث لا تعبدونه وتكفرون به؟ قوله تعالى { فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم } إلى قوله { حتى حين } ملأ القوم أشرافهم، ووصفهم بقوله { الذين كفروا من قومه } وصف توضيحي لا احترازي إذ لم يؤمن به من ملأ قومه أحد بدليل قولهم على ما حكاه الله

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8