الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

بيان الآيات تعقب الغرض السابق وتبين ثواب الذين هاجروا ثم قتلوا جهاداً في سبيل الله أو ماتوا، وفيها بعض التحريض على القتال والوعد بالنصر كما يدل عليه قوله { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله } الآية. وقد اختصَّت هذه الآيات بخصوصية لا توجد في جميع القرآن الكريم إلا فيها فهي ثمان آيات متوالية ختمت كل منها باسمين من أسماء الله الحسنى وراء لفظ الجلالة وقد اجتمعت فيها - بناء على اسمية الضمير " هو " - ستة عشر اسماً وأن الله لهو خير الرازقين العليم الحليم العفوّ الغفور السميع البصير الكبير اللطيف الخبير الغنيّ الحميد الرؤوف الرحيم، ثم ذكر في الآية التاسعة أنه تعالى يحيى ويميت وفي أثنائها أنه الحق وأن له ما في السماوات والأرض وهي في معنى أربعة أسماء أعني المحيي المميت الحق المالك أو الملك فتلك عشرون اسماً من أسمائه اجتمعت في الآيات الثمان على ألطف وجه وأبدعه. قوله تعالى { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً } لما ذكر إخراج المهاجرين من ديارهم ظلماً عقبه بذكر ما يثيبهم به على مهاجرتهم ومحنتهم في سبيل الله وهو وعد حسن برزق حسن. وقد قيّد الهجرة بكونها في سبيل الله لأن المثوبة إنما تترتب على صالح العمل، وإنما يكون العمل صالحاً عند الله بخلوص النية فيه وكونه في سبيله لا في سبيل غيره من مال أو جاه أو غيرهما من المقاصد الدنيوية، وبمثل ذلك يتقيد قوله { ثم قتلوا أو ماتوا } أي قتلوا في سبيل الله أو ماتوا وقد تغرّبوا في سبيل الله. وقوله { وإن الله لهو خير الرازقين } ختم للآية يعلل به ما ذكر فيها من الرزق الحسن وهو النعمة الأُخروية إذ موطنها بعد القتل والموت، وفي الآية إطلاق الرزق على نعم الجنة كما في قولهأحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران 169. قوله تعالى { ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم حليم } المدخل بضم الميم وفتح الخاء اسم مكان من الإِدخال، واحتمال كونه مصدراً ميمياً لا يناسب السياق تلك المناسبة. وتوصيف هذا المدخل وهو الجنة بقوله { يرضونه } والرضا مطلق، دليل على اشتمالها على أقصى ما يريده الإِنسان كما قاللهم فيها ما يشاؤن } النحل 31. وقوله { ليدخلنهم مدخلاً يرضونه } بيان لقوله { ليرزقنهم الله رزقاً حسناً } وإدحاله إياهم مدخلاً يرضونه ولا يكرهونه على الرغم من إخراج المشركين إياهم إخراجاً يكرهونه ولا يرضونه ولذا علله بقوله { وإن الله لعليم حليم } أي عليم بما يرضيهم فيعدّه لهم إعداداً حليم فلا يعاجل العقوبة لأعدائهم الظالمين لهم. قوله تعالى { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفوّ غفور } ذلك خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر ذلك الذي أخبرناك به وذكرناه لك، والعقاب مؤاخذة الإِنسان بما يكرهه بإزاء فعله ما لا يرتضيه المعاقب وإنما سمي عقاباً لأنه يأتي عقيب الفعل.

السابقالتالي
2 3 4 5