الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } * { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } * { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } * { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } * { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } * { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } * { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }

بيان لما استوفى الكلام في النبوة بانياً لها على المعاد عقبه بالإِشارة إلى قصص جماعة من أنبيائه الكرام الذين بعثهم إلى الناس وأيدهم بالحكمة والشريعة وأنجاهم من أيدي ظالمي أُممهم وفي ذلك تأييد لما مر في الآيات من حجة التشريع وإنذار وتخويف للمشركين وبشرى للمؤمنين. وقد عد فيها من الأنبياء موسى وهارون وإبراهيم ولوطاً وإسحاق ويعقوب ونوحاً وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذا الكفل وذا النون وزكريا ويحيى وعيسى سبعة عشر نبياً، وقد ذكر في الآيات المنقولة سبعة منهم فذكر أولاً موسى وهارون وعقبهما بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوط وهم قبلهما ثم عقبهم بنوح وهو قبلهم. قوله تعالى { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين } رجوع بوجه إلى تفصيل ما أجمل في قوله سابقاً { وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } الآية بذكر ما أُوتي النبيون من المعارف والشرائع وأُيدوا بإهلاك أعدائهم بالقضاء بالقسط. والآية التالية تشهد أن المراد بالفرقان والضياء والذكر التوراة آتاها الله موسى وأخاه هارون شريكه في النبوة. والفرقان مصدر الفرق لكنه أبلغ من الفرق، وذكر الراغب أنه على ما قيل اسم لا مصدر وتسمية التوراة الفرقان لكونها فارقة أو لكونها يفرق بها بين الحق والباطل في الاعتقاد والعمل، والآية نظيرة قولهوإِذْ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون } البقرة 53 وتسميتها ضياء لكونها مضيئه لمسيرهم إلى السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وتسميتها ذكراً لاشتمالها على ما يذكر به الله من الحكم والمواعظ والعبر. ولعل كون الفرقان أحد أسماء التوراة هو الموجب لإِتيانه باللام بخلاف ضياء وذكر، وبوجه آخر هي الفرقان للجميع لكنها ضياء وذكر للمتقين خاصة لا ينتفع بها غيرهم ولذا جيء بالضياء والذكر منكرين ليتقيدا بقوله { للمتقين } بخلاف الفرقان وقد سميت التوراة نوراً وذكراً في قوله تعالىفيها هدى ونور } المائدة 44 وقوله { فاسألوا أهل الذكر } الآية 7 من السورة. قوله تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون } الإِشارة بهذا إلى القرآن وإنما سمي ذكراً مباركاً لأنه ثابت دائم كثير البركات ينتفع به المؤمن به والكافر في المجتمع البشري وتتنعم به الدنيا سواء عرفته أو أنكرته أقرت بحقه أو جحدته. يدل على ذلك تحليل ما نشاهد اليوم من آثار الرشد والصلاح في المجتمع العام البشري والرجوع بها القهقري إلى عصر نزول القرآن فما قبله فهو الذكر المبارك الذي يسترشد بمعناه وان جهل الجاهلون لفظه، وأنكر الجاحدون حقه وكفروا بعظيم نعمته، وأعانهم على ذلك المسلمون بإهمالهم في أمره، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً. قوله تعالى { ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين } انعطاف إلى ما قبل موسى وهارون ونزول التوراة كما يفيده قوله { من قبل } والمراد أن إيتاء التوراة لموسى وهارون لم يكن بدعاً من أمرنا بل أُقسم لقد آتينا قبل ذلك إبراهيم رشده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10