الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } * { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } * { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } * { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } * { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

بيان الفصل الأخير من قصة موسى عليه السلام الموردة في السورة يعدّ سبحانه فيه جملاً من مننه على بني إسرائيل كإنجائهم من عدوهم ومواعدتهم جانب الطور الأيمن وإنزال المنّ والسلوى عليهم، ويختمه بذكر قصة السامري وإضلاله القوم بعبادة العجل وللقصة اتصال بمواعدة الطور. وهذا الجزء من الفصل - وفيه بيان تعرض بني إسرائيل لغضبه تعالى - هو المقصود بالأصالة من هذا الفصل ولذا فصل فيه القول ولم يبين غيره إلا بإشارة وإجمال. قوله تعالى { يا بني اسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم } إلى آخر الآية كأن الكلام بتقدير القول أي قلنا يا بني إسرائيل وقوله { قد أنجيناكم من عدوكم } المراد به فرعون أغرقه الله وأنجى بني إسرائيل منه بعد طول المحنة. وقوله { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } بنصب أيمن على أنه صفة جانب ولعل المراد بهذه المواعدة مواعدة موسى أربعين ليلة لإِنزال التوراة وقد مرت القصة في سورة البقرة وغيرها وكذا قصة إنزال المنّ والسلوى. وقوله { كلوا من طيبات ما رزقناكم } إباحة في صورة الأمر وإضافه الطيبات إلى { ما رزقناكم } من إضافة الصفه إلى الموصوف إذ لا معنى لأن ينسب الرزق إلى نفسه ثم يقسّمه إلى طيّب وغيره كما يؤيده قوله في موضع آخرورزقناهم من الطيبات } الجاثية 16. قوله { ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي } ضمير فيه راجع إلى الأكل المتعلق بالطيبات وذلك بكفران النعمة وعدم أداء شكره كما قالوايا موسى لن نصبر على طعام واحد فادعُ لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثَّائها وفومها وعدسها وبصلها } البقرة 61. وقوله { فيحلّ عليكم غضبي } أي يجب غضبي ويلزم من حلَّ الدين يحلّ من باب ضرب إذا وجب أداؤه والغضب من صفاته تعالى الفعلية مصداقه إرادته تعالى إصابة المكروه للعبد بتهيئة الأسباب لذلك عن معصية عصاها. وقوله { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } أي سقط من الهويّ بمعنى السقوط وفسّر بالهلاك. قوله تعالى { وإني لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى } وعد بالرحمة المؤكدة عقيب الوعيد الشديد ولذا وصف نفسه بكثرة المغفرة فقال { وإني لغفار } ولم يقل وأنا غافر أو سأغفر. والتوبة وهي الرجوع كما تكون عن المعصية إلى الطاعة كذلك تكون من الشرك إلى التوحيد، والإِيمان أيضاً كما يكون بالله كذلك يكون بآيات الله من أنبيائه ورسله وكل حكم جاءوا به من عند الله تعالى، وقد كثر استعمال الإِيمان في القرآن في كل من المعنيين كما كثر استعمال التوبة في كل من المعنيين المذكورين وبنو إسرائيل كما تلَّبسوا بمعاصي فسقوا بها كذلك تلَّبسوا بالشرك كعبادة العجل وعلى هذا فلا موجب لصرف الكلام عن ظاهر إطلاقه في التوبة عن الشرك والمعصية جميعاً والإِيمان بالله وآياته وكذلك إطلاقه بالنسبة إلى التائبين والمؤمنين من بني إسرائيل وغيرهم وإن كان بنو إسرائيل مورد الخطاب فإن الصفات الإِلهية كالمغفره لا تختص بقوم دون قوم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد