الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } * { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } * { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } * { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }

بيان متفرقات من وعيد ووعد وحجة وحكم وتسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم متفرعة على ما تقدم في السورة. قوله تعالى { وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } الإِسراف التجاوز عن الحد والظاهر أن الواو في قوله { وكذلك } للاستيناف، والإِشارة إلى ما تقدم من مؤاخذة من أعرض عن ذكر الله ونسي آيات ربه فإنه تجاوز منه عن حد العبودية وكفر بآيات ربه فجزاؤه جزاء من نسي آيات ربه وتركها بعد ما عهد إليه معرضاً عن ذكره. وقوله { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } أي من عذاب الدنيا وذلك لكونه محيطاً بباطن الإِنسان كظاهره ولكونه دائماً لا يزول. قوله تعالى { أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } الخ، الظاهر أن { يهد } مضمّن معنى يبيّن، والمعنى أفلم يبيّن لهم طريق الإِعتبار والإِيمان بالآيات كثرة إهلاكنا القرون التي كانوا قبلهم وهم يمشون في مساكنهم كما كانت تمر أهل مكة في أسفارهم بمساكن عاد بأحقاف اليمن ومساكن ثمود وأصحاب الأيكة بالشام ومساكن قوم لوط بفلسطين { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } أي أرباب العقول. قوله تعالى { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمّى } مقتضى السياق السابق أن يكون { لزاماً } بمعنى الملازمة وهما مصدرا لازم يلازم، والمراد بالمصدر معنى اسم الفاعل وعلى هذا فاسم كان هو الضمير الراجع إلى الهلاك المذكور في الآية السابقة، وأن قوله { وأجل مسمّى } معطوف على { كلمة سبقت } والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان الهلاك ملازماً لهم إذ أسرفوا ولم يؤمنوا بآيات ربهم. واحتمل بعضهم أن يكون لزام إسم آلة كحزام وركاب، وآخرون أن يكون جمع لازم كقيام جمع قائم والمعنيان لا يلائمان السياق كثيراً. وقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك } تكررت هذه الكلمة منه سبحانه في حق بني إسرائيل وغيرهم في مواضع من كلامه كقولهولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم } فصلت 45، وقد غيّاها بالأجل المسمّى في قولهولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم } الشورى 14، وقد تقدم في تفسير سورتي يونس وهود أن المراد بها الكلمة التي قضى بها عند إهباط آدم إلى الأرض بمثل قولهولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } البقرة 36. فالناس آمنون من الهلاك وعذاب الاستئصال على إسرافهم وكفرهم ما بين استقرارهم في الأرض وأجلهم المسمى إلا أن يجيئهم رسول فيقضي بينهم، قال تعالىولكل أُمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } يونس 27 وإليه يرجع عذاب الاستئصال عن الآيات المقترحة إذا لم يؤمن بها بعدما جاءت وهذه الأُمة حالهم حال سائر الأُمم في الأمن من عذاب الاستئصال بوعد سابق من الله، وأما القضاء بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أخّره الله إلى أمد كما تقدم استفادته من قوله { ولكل أُمة رسول } الآية من سورة يونس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8