الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ طه } * { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } * { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } * { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } * { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } * { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ }

بيان غرض السورة التذكرة من طريق الإِنذار تغلب فيها آيات الإِنذار والتخويف على آيات التبشير غلبة واضحة، فقد أشتملت على قصص تختتم بهلاك الطاغين والمكذبين لآيات الله وتضمنت حججاً بينة تلزم العقول على توحيده تعالى والإِجابة لدعوة الحق وتنتهي إلى بيان ما سيستقبل الإِنسان من أهوال الساعة ومواقف القيامة وسوء حال المجرمين وخسران الظالمين. وقد افتتحت الآيات - على ما يلوح من السياق - بما فيه نوع تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يتعب نفسه الشريفة في حمل الناس على دعوته التي يتضمنها القرآن فلم ينزل ليتكلف به بل هو تنزيل إلهي يذكّر الناس بالله وآياته رجاء أن تستيقظ غريزة خشيتهم فيتذكروا فيؤمنوا به ويتّقوا فليس عليه إلا التبليغ فحسب فإن خشوا وتذكّروا وإلا غشيتهم غاشية عذاب الاستئصال أو ردّوا إلى ربهم فأدركهم وبال ظلمهم وفسقهم ووفيت لهم أعمالهم من غير أن يكونوا معجزين لله سبحانه بطغيانهم وتكذيبهم. وسياق آيات السورة يعطي أن تكون مكية وفي بعض الآثار أن قوله { واصبر على ما يقولون } الآية 130 مدنية وفي بعضها الآخر أن قوله { لا تمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } الآية 131 مدنية، ولا دليل على شيء من ذلك من ناحية اللفظ. ومن غرر الآيات في السورة قوله تعالى { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى }. قوله تعالى { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } طه حرفان من الحروف المقطعة افتتحت بهما السورة كسائر الحروف المقطعة التي افتتحت بها سورها نحو ألم ألر ونظائرهما وقد نقل عن جماعة من المفسرين في معنى الحرفين أمور ينبغي أن يجلّ البحث التفسيري عن إيرادها والغور في أمثالها، وسنلوّح إليها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى. والشقاوة خلاف السعادة قال الراغب والشقاوة كالسعادة من حيث الإِضافة فكما أن السعادة في الأصل ضربان سعادة أُخروية وسعادة دنيوية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب سعادة نفسيه وبدنية وخارجية كذلك الشقاوة على هذه الأضرب - إلى أن قال - قال بعضهم قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا، وكل شقاوة تعب، وليس كل تعب شقاوة، فالتعب أعم من الشقاوة. انتهى، فالمعنى ما أنزلنا القرآن لتتعب نفسك في سبيل تبليغه بالتكلف في حمل الناس عليه. قوله تعالى { إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى } التذكرة هي إيجاد الذكر فيمن نسي الشيء وإذ كان الإِنسان ينال حقائق الدين الكلية بفطرته كوجوده تعالى وتوحّده في وجوب وجوده وأُلوهيته وربوبيته والنبوة والمعاد وغير ذلك كانت أُموراً مودعة في الفطرة غير أن إخلاد الإِنسان إلى الأرض وإقباله إلى الدنيا واشتغاله بما يهواه من زخارفها اشتغالاً لا يدع في قلبه فراغاً أنساه ما أُودع في فطرته وكان إلقاء هذه الحقائق إلفاتاً لنفسه إليها وتذكرة له بها بعد نسيانها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد