الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ }

بيان قوله تعالى { قُل إن كانت لكم } الخ، لما كان قولهم { لن تمسنا النار إلاَّ أياماً معدودة } ، و قولهم { نؤمن بما أنزل علينا } في جواب ما قيل لهم { آمنوا بما أنزل الله } يدلان بالالتزام على دعواهم أنهم ناجون في الآخرة دون غيرهم وأن نجاتهم وسعادتهم فيها غير مشوبة بهلاك وشقاء لأنهم ليسوا بزعمهم بمعذبين إلاَّ أياماً معدودة وهي أيام عبادتهم للعجل، قابلهم الله تعالى خطاباً بما يظهر به كذبهم في دعواهم وأنهم يعلمون ذلك من غير تردد وارتياب فقال تعالى لنبيه { قل إنْ كانت لكم الدار الآخرة } أي سعادة تلك الدار فإن من ملك داراً فإنما يتصرف فيها بما يستحسنه ويحبه ويحل منها بأجمل ما يمكن وأسعده وقوله تعالى { عند الله } أي مستقراً عنده تعالى وبحكمه وإذنه، فهو كقوله تعالىإن الدين عند الله الإِسلام } آل عمران 19، وقوله تعالى { خالصة } أي غير مشوبة بما تكرهونه من عذاب أو هوان لزعمكم أنكم لا تعذبون فيها إلاَّ أياماً معدودة. قوله تعالى { من دون الناس } وذلك لزعمكم بطلان كل دين إلاَّ دينكم، وقوله تعالى { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } وهذا كقوله تعالىقل يا أيُّها الذين هادوا إنْ زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } الجمعة 6، وهذه مؤاخذة بلازم فطري بيِّن الأثر في الخارج بحيث لا يقع فيه أدنى الشك وهو أن الإِنسان بل كل موجود ذي شعور إذا خيّر بين الراحة والتعب اختار الراحة من غير تردد وتذبذب وإذا خيّر بين حياة وعيشة مكدرة مشوبة وأُخرى خالصة صافية اختار الخالصة الهنيئة قطعاً، ولو فرض ابتلائه بما كان يميل عنه إلى غيره من حياة شقية ردية أو عيشة منغصة لم يزل يتمنى الأخرى الطيبة الهنيئة فلا ينفك عن التحسر له في قلبه وعن ذكره في لسانه وعن السعي إليه في عمله. فلو كانوا صادقين في دعواهم أن السعادة الخالصة الأُخروية لهم دون غيرهم من الناس وجب أن يتمنوه جناناً ولساناً وأركاناً ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم من قتل الأنبياء والكفر بموسى ونقض المواثيق والله عليم بالظالمين. قوله تعالى { بما قدمت أيديهم } ، كناية عن العمل فإن معظم العمل عند الحس يقع بواسطة اليد فيقدم بعد ذلك إلى من ينتفع به أو يطلبه ففيه عنايتان نسبة التقديم إلى الأيدي دون أصحاب الأيدي وعد كل عملاً للأيدي. وبالجملة أعمال الإِنسان وخاصة ما يستمر صدوره منه أحسن دليل على ما طوى عليه ضميره وارتكز في باطنه والأعمال الطالحة والأفعال الخبيثة لا يكشف إلاَّ عن طوية خبيثة تأبى أن تميل إلى القاء الله والحلول في دار أوليائه.

السابقالتالي
2 3 4