الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

بيان قوله تعالى { ولما جاءهم } الخ، السياق يدل على أن هذا الكتاب هو القرآن. وقوله { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } ، على وقوع تعرض بهم من كفار العرب، وأنهم كانوا يستفتحون أي يطلبون الفتح عليهم ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهجرته وأن ذلك الاستفتاح قد استمر منهم قبل الهجرة، بحيث كان الكفار من العرب أيضاً يعرفون ذلك منهم لمكان قوله كانوا، وقوله { فلما جاءهم ما عرفوا } ، أي عرفوا أنه هو بانطباق ما كان عندهم من الأوصاف عليه كفروا. قوله تعالى { بئسما اشتروا } ، بيان لسبب كفرهم بعد العلم وأن السبب الوحيد في ذلك هو البغي والحسد، فقوله بغياً، مفعول مطلق نوعي. وقوله { أن ينزل الله } ، متعلق به، وقوله تعالى { فباؤا بغضب على غضب } ، أي رجعوا بمصاحبته أو بتلبس غضب بسبب كفرهم بالقرآن على غضب بسبب كفرهم بالتوراة من قبل، والمعنى أنهم كانوا قبل البعثة والهجرة ظهيراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومستفتحاً به وبالكتاب النازل عليه، ثم لما نزل بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزل عليه القرآن وعرفوا أنه هو الذي كانوا يستفتحون به وينتظرون قدومه هاج بهم الحسد، وأخذهم الاستكبار، فكفروا وانكروا ما كانوا يذكرونه كما كانوا يكفرون بالتوراة من قبل، فكان ذلك منهم كفراً على كفر. قوله تعالى { ويكفرون بما وراءه } ، أي يظهرون الكفر بما وراءه، وإلاَّ فهم بالذي أنزل إليهم وهو التوراة أيضاً كافرون. قوله تعالى { قل فلم تقتلون } ، الفاء للتفريع. والسؤال متفرع على قولهم نؤمن بما أنزل علينا، أي لو كان قولكم نؤمن بما أنزل علينا حقاً وصدقاً فلم تقتلون أنبياء الله، ولم كفرتم بموسى باتخاذ العجل، ولم قلتم عند أخذ الميثاق ورفع الطور سمعنا وعصينا. قوله تعالى { وأُشربوا في قلوبهم العجل } ، الإِشراب هو السقي، والمراد بالعجل حب العجل، وضع موضعه للمبالغة كأنهم قد أشربوا نفس العجل وبه يتعلق قوله في قلوبهم، ففي الكلام استعارتان أو استعارة ومجاز. قوله تعالى { قل بئسما يأمركم به إيمانكم } ، بمنزلة أخذ النتيجة مما أورد عليهم من قتل الأنبياء والكفر بموسى، والاستكبار بإعلام المعصية، وفيه معنى الاستهزاء بهم. بحث روائي في تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق } الآية، قال عليه السلام كانت اليهود تجد في كتبهم أن مهاجر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين عير وأُحد فخرجوا يطلبون الموضع، فمروا بجبل يقال له حداد فقالوا حداد وأُحد سواء، فتفرقوا عنده، فنزل بعضهم بتيما، وبعضهم بفدك، وبعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيما إلى بعض إخوانهم، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه، وقال لهم أمر بكم ما بين عير وأُحد، فقالوا له إذا مررت بهما فآذنا لهما، فلما توسط بهم أرض المدينة، قال ذلك عير وهذا أُحد فنزلوا عن ظهر إبله وقالوا له قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة بنا إلى إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا فكتبوا إليهم إنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا بها الأموال وما أقربنا منكم فإذا كان ذلك أسرعنا إليكم، واتخذوا بأرض المدينة أموالاً فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ثم آمنهم فنزلوا عليه فقال لهم إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلاَّ مقيماً فيكم، فقالوا ليس ذلك لك إنها مهاجر نبي، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك، فقال لهم فإني مخلف فيكم من أُسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلف حيَين تراهم الأوس والخزرج، فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود، فكانت اليهود تقول لهم أما لو بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمداً آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود، وهو قوله تعالى { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } ، إلى آخر الآية.

السابقالتالي
2 3 4