الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

بيان قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل } ، الآية في بديع نظمها تبتدئ أولاً بالغيبة وتنتهي إلى الخطاب حيث تقول ثم توليتم إلاَّ قليلاً منكم وأنتم معرضون، ثم إنها تذكر أولاً الميثاق وهو أخذ للعهد، ولا يكون إلاَّ بالقول، ثم تحكي ما أخذ عليه الميثاق فتبتدئ فيه بالخبر، حيث تقول لا تعبدون إلاَّ الله، وتختتم بالإِنشاء حيث تقول وقولوا للناس حسناً إلخ. ولعلَّ الوجه في ذلك كله أن الآيات المتعرضة لحال بني إسرائيل لما بدأت بالخطاب لمكان اشتمالها على التقريع والتوبيخ وجرت عليه كان سياق الكلام فيها الخطاب ثم لما تبدل الخطاب بالغيبة بعد قصة البقرة لنكتة داعية إليها كما مرّ حتى انتهت إلى هذه الآية، فبدأت أيضاً بالغيبة لكن الميثاق حيث كان بالقول وبنى على حكايته حكي بالخطاب فقيل لا تعبدون إلاَّ الله " الخ " ، وهو نهي في صورة الخبر. وإنما فعل ذلك دلالة على شدة الاهتمام به، كأن الناهي لا يشك في عدم تحقق ما نهى عنه في الخارج، ولا يرتاب في أن المكلف المأخوذ عليه الميثاق سوف لا ينتهي عن نهيه، فلا يوقع الفعل قطعاً وكذا قوله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين، كل ذلك أمر في صورة الخبر. ثم إن الانتقال إلى الخطاب من قبل الحكاية أعطى فرصة للانتقال إلى أصل الكلام، وهو خطاب بني إسرائيل لمكان الاتصال في قوله { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم } الخ وانتظم بذلك السياق. قوله تعالى { وبالوالدين إحساناً } ، أمر أو خبر بمعنى الأمر والتقدير واحسنوا بالوالدين إحساناً، وذي القربى واليتامى والمساكين، أو التقدير وتحسنون بالوالدين إحساناً الخ، وقد رتب موارد الإِحسان أخذاً من الأهم والأقرب إلى المهم والأبعد فقرابة الإِنسان أقرب إليه من غيرهم، والوالدان وهما الأصل الذي تتكي عليه وتقوم به شجرة وجوده أقرب من غيرهما من الأرحام، وفي غير القرابة أيضاً اليتامى أحق بالإِحسان لصغرهم وفقدهم من يقوم بأمرهم من المساكين، هذا. وقوله { واليتامى } ، اليتيم من مات أبوه، ولا يقال لمن ماتت أُمه يتيم. وقيل اليتيم في الإِنسان إنما تكون من جهة الأب وفي غير الإِنسان من سائر الحيوان من جهة الأم وقوله تعالى { والمساكين } ، جمع مسكين وهو الفقير العادم الذليل، وقوله تعالى { حسناً } ، مصدر بمعنى الصفة جيء به للمبالغة. وفي بعض القراءات { حَسَناً } ، بفتح الحاء والسين صفة مشبهة. والمعنى قولوا للناس قولاً حسناً، وهو كناية عن حسن المعاشرة مع الناس، كافرهم ومؤمنهم ولا ينافي حكم القتال حتى تكون آية القتال ناسخة له لأن مورد القتال غير مورد المعاشرة فلا ينافي الأمر بحسن المعاشرة كما أن القول الخشن في مقام التأديب لا ينافي حسن المعاشرة.

السابقالتالي
2