الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

بيـان قوله تعالى { إنَّ الذين كفروا } ، هؤلاء قوم ثبتوا على الكفر وتمكن الجحود من قلوبهم، ويدل عليه وصف حالهم بمساواة الإِنذار وعدمه فيهم، ولا يبعد أن يكون المراد من هؤلاء الذين كفروا هم الكفار من صناديد قريش وكبراء مكة الذين عاندوا ولجَّوا في أمر الدين ولم يألوا جهداً في ذلك ولم يؤمنوا حتى أفناهم الله عن آخرهم في بدر وغيره، ويؤيده أن هذا التعبير وهو قوله { سواء عليهمٍ أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } ، لا يمكن استطراده في حق جميع الكفار وإلاَّ انسد باب الهداية القرآن ينادي على خلافه، وأيضاً هذا التعبير إنما وقع في سورة يس وهي مكية وفي هذه السورة وهي سورة البقرة أول سورة نزلت في المدينة نزلت ولم تقع غزوة بدر بعد، فالأشبه أن يكون المراد من الذين كفروا، ها هُنا وفي سائر الموارد من كلامه تعالى كفار مكة في أول البعثة إلاَّ أن تقوم قرينة على خلافه، نظير ما سيأتي، أن المراد من قوله تعالى { الذين آمنوا } ، فيما أطلق في القرآن من غير قرينة هم السابقون الأولون من المسلمين، خُصُّوا بهذا الخطاب تشريفاً. وقوله تعالى { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } " الخ " يشعر تغيير السياق حيث نسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إليهم أنفسهم بأن فيهم حجاباً دون الحق في أنفسهم وحجاباً من الله تعالى عقيب كفرهم وفسوقهم، فأعمالهم متوسطة بين حجابين من ذاتهم ومن الله تعالى، وسيأتي بعض ما يتعلق بالمقام في قوله تعالى { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً }. واعلم أن الكفر كالإِيمان وصف قابل للشدة والضعف فله مراتب مختلفة الآثار كالإِيمان. بحث روائي في الكافي عن الزبيري عن الصادق عليه السلام قال قلت له أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل، قال الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البراءة، وكفر النعم. فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول لا رب ولا جنة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهرية وهم الذين يقولون وما يهلكنا إلاَّ الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون قال عز وجل { إن هم إلاَّ يظنون } ، أن ذلك كما يقولون، وقال { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } ، يعني بتوحيد الله، فهذا أحد وجوه الكفر. وأما الوجه الآخر فهو الجحود على معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق قد استقر عنده، وقد قال الله عزّ وجلّ

السابقالتالي
2