الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

بيان قوله تعالى { واتّقوا يوماً لا تجزي } ، الملك والسلطان الدنيوي بأنواعه وأقسامه وبجميع شؤونه، وقواه المقننة الحاكمة والمجرية مبتنية على حوائج الحياة، وغايتها رفع الحاجة حسب ما يساعد عليه العوامل الزمانية والمكانية، فربما بدَّل متاع من متاع أو نفع من نفع أو حكم من حكم من غير ميزان كلي يضبط الحكم ويجري ذلك في باب المجازاة أيضاً فإن الجرم والجناية عندهم يستتبع العقاب، وربما بدل الحاكم العقاب لغرض يستدعي منه ذلك كأن يلحّ المحكوم الذي يرجى عقابه على القاضي ويسترحمه أو يرتشيه فينحرف في قضائه فيجزي أي يقضي فيه بخلاف الحق، أو يبعث المجرم شفيعاً يتوسط بينه وبين الحاكم أو مجري الحكم أو يعطي عدلاً وبدلاً إذا كانت حاجة الحاكم المريد للعقاب إليه أزيد وأكثر من الحاجة إلى عقاب ذالك المجرم، أو يستنصر قومه فينصروه فيتخلص بذالك عن تبعة العقاب ونحو ذلك. تلك سنّة جارية وعادة دائرة بينهم، وكانت الملل القديمة من الوثنيين وغيرهم تعتقد أن الحياة الآخرة نوع حياة دنيوية يطرد فيها قانون الأسباب ويحكم فيها ناموس التأثير، والتأثر المادي الطبيعي، فيقدمون إلى آلهتهم أنواع القرابين والهدايا للصفح عن جرائمهم أو الإِمداد في حوائجهم، أو يستشفعون بها، أو يفدون بشيء عن جريمة أو يستنصرون بنفس أو سِلاح حتى أنهم كانوا يدفنون مع الأموات أنواع الزخرف والزينة ليكون معهم ما يتمتعون به في آخرتهم، ومن أنواع السلاح ما يدافعون به عن أنفسهم، وربما ألحدوا معه من الجواري من يستأنس بها، ومن الأبطال من يستنصر به الميت، وتوجد اليوم في المتاحف بين الآثار الأرضية عتائق كثيرة من هذا القبيل، ويوجد عقائد متنوعة شبيهة بتلك العقائد بين الملل الإِسلامية على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، بقيت بينهم بالتوارث، ربما تلونت لوناً بعد لون، وجيلاً بعد جيل، وقد أبطل القرآن جميع هذه الآراء الواهية، والأقاويل الكاذبة، فقد قال عز من قائلوالأمر يومئذٍ لله } الانفطار 19، وقالورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب } البقرة 166، وقالولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضلَّ عنكم ما كنتم تزعمون } الأنعام 94، وقالهنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون } يونس 30، إلى غير ذلك من الآيات التي بين فيها أن الموطن خال عن الأسباب الدنيوية، وبمعزل عن الارتباطات الطبيعية، وهذا أصل يتفرع عليه بطلان كل واحد من تلك الأقاويل والأوهام على طريق الإِجمال، ثم فصل القول في نفي واحد واحد منها وإبطاله فقالواتّقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد