الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

بيان رجوع ثانٍ إلى ما في بدء الكلام فإنه تعالى بعد ما بيَّن في أول السورة ما بيَّن أوضحة بنحو التلخيص بقولهيا أيُّها النَّاس اعبدوا ربكم } البقرة 21، إلى بضع آيات، ثم رجع إليه ثانياً وأوضحه بنحو البسط والتفصيل بقوله { كيف تكفرون } ، إلى إثنتي عشرة آية، ببيان حقيقة الإِنسان وما أودعه الله تعالى فيه من ذخائر الكمال وما تسعه دائرة وجوده وما يقطعه هذا الموجود في مسير وجوده من منازل موت وحياة ثم موت ثم حياة ثم رجوع إلى الله سبحانهوأنَّ إلى ربك المنتهى } النجم 42، وفيه ذكر جمل ما خصّ الله تعالى به الإِنسان من مواهب التكوين والتشريع، أنه كان ميتاً فأحياة، ثم لا يزال يميته ويحييه حتى يرجعه إليه، وقد خلق له ما في الأرض وسخّر له السماوات وجعله خليفته في الأرض وأسجد له ملائكته وأسكن أباه الجنة وفتح له باب التوبة وأكرمه بعبادته وهدايته، وهذا هو المناسب لسياق قوله { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم } الخ، فإن السياق سياق العتبى والامتنان. قوله تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً } الآية قريبة السياق من قوله تعالىقالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل } غافر 11، وهذه من الآيات التي يستدلُّ بها على وجود البرزخ بين الدنيا والآخرة، فإنها تشتمل على إماتتين، فلو كان إحداهما الموت الناقل من الدنيا لم يكن بدّ في تصوير الإِماتة الثانية من فرض حياة بين الموتين وهو البرزخ، وهو استدلال تام اعتني به في بعض الروايات أيضاً، وربما ذكر بعض المنكرين للبرزخ أن الآيتين أعني قوله { كيف تكفرون } الآية، وقولهقالوا ربنا } غافر 11 الآية، متحدتا السياق، وقد اشتملتا على موتين وحياتين، فمدلولهما واحد، والآية الأولى ظاهرة في أن الموت الأول هو حال الإِنسان قبل ولوج الروح في الحياة الدنيا، فالموت والحياة الأوليان هما الموت قبل الحياة الدنيا والحياة الدنيا والموت والحياة الثانيتان هما الموت عن الدنيا والحياة يوم البعث، والمراد بالمراتب في الآية الثانية هو ما في الآية الأولى، فلا معنى لدلالتها على البرزخ، وهو خطأ فإن الآيتين مختلفتان سياقاً إذ المأخوذ في الآية الأولى، موت واحد وإماتة واحدة وإحياءان، وفي الآية الثانية إماتتان وإحياءان، ومن المعلوم أن الإِماتة لا يتحقق لها مصداق من دون سابقة حياة بخلاف الموت، فالموت الأول في الآية الأولى غير الإِماتة الأولى في الآية الثانية، فلامح في قوله تعالىأمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } غافر 11، الإِماتة الأولى هي التي بعد الدنيا والإِحياء الأول بعدها للبرزخ والإِماتة والإِحياء الثانيتان للآخرة يوم البعث، وفي قوله تعالى { وكنتم أمواتاً فأحياكم } إنما يريد الموت قبل الحياة وهو موت وليس بإماتة، والحياة هي الحياة الدنيا، وفي قوله تعالى { ثم إليه ترجعون } حيث فصل بين الإِحياء والرجوع بلفظ ثم تأييد لما ذكرنا هذا.

السابقالتالي
2 3