الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

بيان الآيات مسوقة لتأكيد حرمة الربا والتشديد على المرابين وليست مسوقة للتشريع الابتدائي، كيف ولسانها غير لسان التشريع وإنما الذي يصلح لهذا الشأن قوله تعالى في سورة آل عمرانيا أيُّها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتّقوا الله لعلَّكم تفلحون } آل عمران 130، نعم تشتمل هذه الآيات على مثل قوله { يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ، وسياق الآية يدل على أن المسلمين ما كانوا ينتهون عن النهي السابق عن الربا، بل كانوا يتداولونها بينهم بعض التداول فأمرهم الله بالكف عن ذلك، وترك ما للغرماء في ذمة المدينين من الربا، ومن هنا يظهر معنى قوله فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، الآية على ما سيجيء بيانه. وقد تقدّم على ما في سورة آل عمران من النهي قوله تعالى في سورة الروم وهي مكيةوما آتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأُولئك هم المضعفون } الروم 39، ومن هنا يظهر أن الربا كان أمراً مرغوباً عنه من أوائل عهد رسول الله قبل الهجرة حتى تمّ أمر النهي عنه في سورة آل عمران، ثم اشتد أمره في سورة البقرة بهذه الآيات السبع التي يدل سياقها على تقدم نزول النهي عليها، ومن هنا يظهر أن هذه الآيات إنما نزلت بعد سورة آل عمران. على أن حرمة الربا في مذهب اليهود على ما يذكره الله تعالى في قولهوأخذهم الربا وقد نهوا عنه } النساء 161، ويشعر به قوله - حكاية عنهم -ليس علينا في الأميين سبيل } آل عمران 75، مع تصديق القرآن لكتابهم وعدم نسخ ظاهر كانت تدل على حرمته في الإِسلام. والآيات أعني آيات الربا لا تخلو عن ارتباط بما قبلها من آيات الإِنفاق في سبيل الله كما يشير إليه قوله تعالى في ضمنها { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ، وقوله { وإن تصدقوا خير لكم } ، وكذا ما وقع من ذكره في سورة الروم وفي سورة آل عمران مقارناً لذكر الإِنفاق والصدقة والحث عليه والترغيب فيه. على أن الاعتبار أيضاً يساعد الارتباط بينهما بالتضاد والمقابلة، فإن الربا أخذ بلا عوض كما أن الصدقة إعطاء بلا عوض، والآثار السيئة المترتبة على الربا تقابل الآثار الحسنة المترتبة على الصدقة وتحاذيها على الكلية من غير تخلّف واستثناء، فكل مفسدة منه يحاذيها خلافها من المصلحة منها لنشر الرحمة والمحبة، وإقامة اصلاب المساكين والمحتاجين، ونماء المال، وانتظام الأمر واستقرار النظام والأمن في الصدقة وخلاف ذلك في الربا. وقد شدد الله سبحانه في هذه الآيات في أمر الربا بما لم يشدد بمثله في شيء من فروع الدين إلاَّ في تولي أعداء الدين، فإن التشديد فيه يضاهي تشديد الربا، وأما سائر الكبائر فإن القرآن وإن أعلن مخالفتها وشدد القول فيها فإن لحن القول في تحريمها دون ما في هذين الأمرين، حتى الزنا وشرب الخمر والقمار والظلم، وما هو أعظم منها كقتل النفس التي حرم الله والفساد، فجميع ذلك دون الربا وتولي أعداء الدين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد