الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

بيان قوله تعالى { الله لا إله إلاَّ هو الحي القيوم } ، قد تقدم في سورة الحمد بعض الكلام في لفظ الجلالة، وانه سواء أُخذ من أله الرجل بمعنى تاه ووله أو من أله بمعنى عبد فلازم معناه الذات المستجمع لجميع صفات الكمال على سبيل التلميح. وقد تقدم بعض الكلام في قوله تعالى { لا إله إلاَّ هو } ، في قوله تعالىوإلهكم إله واحد } البقرة 163، وضمير هو وإن رجع إلى اسم الجلالة لكن اسم الجلالة لما كان علماً بالغلبة يدل على نفس الذات من حيث أنه ذات وإن كان مشتملاً على بعض المعاني الوصفية التي يلمح باللام أو بالإِطلاق إليها، فقوله { لا إله إلاَّ هو } ، يدل على نفي حق الثبوت عن الآلهة التي تثبت من دون الله. وأما اسم الحي فمعناه ذو الحياة الثابتة على وزان سائر الصفات المشبهة في دلالتها على الدوام والثبات. والناس في بادئ مطالعتهم لحال الموجودات وجدوها على قسمين قسم منها لا يختلف حاله عند الحس ما دام وجوده ثابتاً كالأحجار وسائر الجمادات، وقسم منها ربما تغيرت حاله وتعطلت قواه وأفعاله مع بقاء وجودها على ما كان عليه عند الحس، وذلك كالإِنسان وسائر أقسام الحيوان والنبات، فإنا ربما نجدها تعطلت قواها ومشاعرها وأفعالها ثم يطرأ عليها الفساد تدريجاً، وبذلك أذعن الإِنسان بأن هناك وراء الحواس أمراً آخر هو المبدأ للإِحساسات والإِدراكات العلمية والأفعال المبتنية على العلم والإِرادة وهو المسمى بالحياة ويسمى بطلانه بالموت، فالحياة نحو وجود يترشح عنه العلم والقدرة. وقد ذكر الله سبحانه هذه الحياة في كلامه ذكر تقرير لها، قال تعالىاعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها } الحديد 17، وقال تعالىإنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى } فصلت 39، وقال تعالىوما يستوي الأحياء ولا الأموات } فاطر 22، وقال تعالىوجعلنا من الماء كل شيء حي } الأنبياء 30، فهذه تشمل حياة أقسام الحي من الإِنسان والحيوان والنبات. وكذلك القول في أقسام الحياة، قال تعالىورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } يونس 7، وقال تعالىربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } غافر 11، والاحياءان المذكوران يشتملان على حياتين إحداهما الحياة البرزخية، والثانية الحياة الآخرة، فللحياة أقسام كما للحي أقسام. والله سبحانه مع ما يقرر هذه الحياة الدنيا يعدها في مواضع كثيرة من كلامه شيئاً رديئاً هيناً لا يعبأ بشأنه كقوله تعالىوما الحياة الدنيا في الآخرة إلاَّ متاع } الرعد 26، وقوله تعالىتبتغون عرض الحياة الدنيا } النساء 94، وقوله تعالىتريد زينة الحياة الدنيا } الكهف 28، وقوله تعالىوما الحياة الدنيا إلاَّ لعب ولهو } الأنعام 32، وقوله تعالىوما الحياة الدنيا إلاَّ متاع الغرور } الحديد 20، فوصف الحياة الدنيا بهذه الأوصاف فعدها متاعاً والمتاع ما يقصد لغيره، وعدها عرضاً والعرض ما يعترض ثم يزول، وعدها زينة والزينة هو الجمال الذي يضم على الشيء ليقصد الشيء لأجله فيقع غير ما قصد ويقصد غير ما وقع، وعدها لهواً واللهو ما يلهيك ويشغلك بنفسه عمّا يهمك، وعدها لعباً واللعب هو الفعل الذي يصدر لغاية خيالية لا حقيقية، وعدها متاع الغرور وهو ما يغر به الإِنسان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد