الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

بيان قوله تعالى { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم أُلوف حذر الموت } ، الرؤية ها هُنا بمعنى العلم، عبر بذلك لدعوى ظهوره بحيث يعد فيه العلم رؤية، فهو كقوله تعالىألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق } إبراهيم 19، وقوله تعالىألم تر كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً } نوح 15. وقد ذكر الزمخشري أن لفظ ألم تر جري مجرى المثل، يؤتى به في مقام التعجيب فقولنا ألم تر كذا وكذا معناه ألا تعجب لكذا وكذا، وحذر الموت مفعول له، ويمكن أن يكون مفعولاً مطلقاً والتقدير يحذرون الموت حذراً. قوله تعالى { فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم } ، الأمر تكويني ولا ينافي كون موتهم واقعاً عن مجرى طبيعي كما ورد في الروايات ان ذلك كان بالطاعون، وإنما عبر بالأمر، دون أن يقال فأماتهم الله ثم أحياهم ليكون أدل على نفوذ القدرة وغلبة الأمر، فإن التعبير بالإِنشاء في التكوينيات أقوى وآكد من التعبير بالاخبار، كما أن التعبير بصورة الاخبار الدال على الوقوع في التشريعيات أقوى وآكد من الانشاء، ولا يخلو قوله تعالى { ثم أحياهم } عن الدلالة على أن الله أحياهم ليعيشوا فعاشوا بعد حياتهم، إذ لو كان إحيائهم لعبرة يعتبر بها غيرهم أو لإِتمام حجة أو لبيان حقيقة لذكر ذلك على ما هو دأب القرآن في بلاغته كما في قصة أصحاب الكهف، على أن قوله تعالى بعد { إن الله لذو فضل على الناس } ، يشعر بذلك أيضاً. قوله تعالى { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } ، الإِظهار في موضع الاضمار أعني تكرار لفظ الناس ثانياً لما فيه من الدلالة على انخفاض سطح أفكارهم، على أن هؤلاء الذين تفضل الله عليهم بالاحياء طائفة خاصة، وليس المراد كون الأكثر منهم بعينهم غير شاكرين بل الأكثر من جميع الناس، وهذه الآية لا تخلو عن مناسبة ما مع ما بعدها من الآيات المتعرضة لفرض القتال، لما في الجهاد من إحياء الملة بعد موتها. وقد ذكر بعض المفسرين أن الآية مثل ضربه الله لحال الأمة في تأخرها وموتها باستخزاء الأجانب إياها ببسط السلطة والسيطرة عليها، ثم حياتها بنهضتها ودفاعها عن حقوقها الحيوية واستقلالها في حكومتها على نفسها. قال ما حاصله ان الآية لو كانت مسوقة لبيان قصة من قصص بني إسرائيل كما يدل عليه أكثر الروايات أو غيرهم كما في بعضها لكان من الواجب الإِشارة إلى كونهم من بني إسرائيل، وإلى النبي الذي أحياهم كما هو دأب القرآن في سائر قصصه مع أن الآية خالية عن ذلك، على أن التوراة أيضاً لم تتعرض لذلك في قصص حزقيل النبي على نبينا وآله وعليه السلام فليست الروايات إلاَّ من الإِسرائيليات التي دستها اليهود، مع أن الموت والحياة الدنيويتين ليستا إلاَّ موتاً واحداً أو حياة واحدة كما يدل عليه قوله تعالى

السابقالتالي
2 3