الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

بيان قوله تعالى { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا } إلى آخر الآية، العرضة بالضم من العرض وهو كإراءة الشيء للشيء حتى يرى صلوحه لما يريده ويقصده كعرض المال للبيع وعرض المنزل للنزول وعرض الغذاء للأكل، ومنه ما يقال للهدف إنه عرضة للسهام، وللفتاة الصالحة للازدواج انها عرضة للنكاح، وللدابة المعدة للسفر إنها عرضة للسفر وهذا هو الأصل في معناها، وأما العرضة بمعنى المانع المعرض في الطريق وكذا العرضة بمعنى ما ينصب ليكون معرضاً لتوارد الواردات وتواليها في الورود كالهدف للسهام حتى يفيد كثرة العوارض إلى غير ذلك من معانيها فهي مما لحقها من موارد استعمالها غير دخلية في أصل المعنى. والأيمان جمع يمين بمعنى الحلف مأخوذة من اليمين بمعنى الجارحة لكونهم يضربون بها في الحلف والعهد والبيعة ونحو ذلك فاشتق من آلة العمل اسم للعمل، للملازمة بينها كما يشتق من العمل اسم لآلة العمل كالسبابة للإِصبع التي يسب بها. ومعنى الآية والله أعلم ولا تجعلوا الله عرضة تتعلق بها أيمانكم التي عقدتموها بحلفكم أن لا تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس فإن الله سبحانه لا يرضى أن يجعل اسمه ذريعة للامتناع عمّا أمر به من البر والتقوى والأصلاح بين الناس، ويؤيد هذا المعنى ما ورد من سبب نزول الآية على ما سننقله في البحث الروائي إن شاء الله. وعلى هذا يصير قوله تعالى { أن تبروا } " إلخ " ، بتقدير، لا، أي أن لا تبروا، وهو شائع مع أن المصدرية كقوله تعالىيبين الله لكم أن تضلوا } النساء 176، أي أن لا تضلوا أو كراهة أن تضلوا، ويمكن أن لا يكون بتقدير، لا. وقوله تعالى { أن تبروا } ، متعلقاً بما يدل عليه قوله تعالى { ولا تجعلوا } ، من النهي، أي ينهاكم الله عن الحلف الكذائي أو يبين لكم حكمه الكذائي { أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } ، ويمكن أن يكون العرضة بمعنى ما يكثر عليه العرض فيكون نهياً عن الإِكثار من الحلف بالله سبحانه، والمعنى لا تكثروا من الحلف بالله فإنكم إن فعلتم ذلك أداكم إلى أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس، فإن الحلاف المكثر من اليمين لا يستعظم ما حلف به ويصغر أمر ما أقسم به لكثرة تناوله فلا يبالي الكذب فيكثر منه هذا عند نفسه، وكذا يهون خطبه وينزل قدره عند الناس لاستشعارهم أنه لا يرى لنفسه عند الناس قدم صدق ويعتقد أنهم لا يصدقونه فيما يقول، ولا أنه يوقر نفسه بالاعتماد عليها، فيكون على حد قوله تعالىولا تطع كل حلاف مهين } القلم 10، والأنسب على هذا المعنى أيضاً عدم تقدير لا في الكلام بل قوله تعالى أن تبروا، منصوب بنزع الخافض أو مفعول له لما يدل عليه النهي في قوله ولا تجعلوا، كما مرّ.

السابقالتالي
2 3 4 5