الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

بيان قوله تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } " الخ " ، المحيض مصدر كالحيض، يقال حاضت المرأة تحيض حيضاً، ومحيضاً إذا نزفت طبيعتها الدم المعروف ذا الصفات المعهودة المختصة بالنساء، ولذلك يقال هي حائض، كما يقال هي حامل. والأذى هو الضرر على ما قيل، لكنه لا يخلو عن نظر، فإنه لو كان هو الضرر بعينه لصح مقابلته مع النفع كما أن الضرر مقابل النفع وليس بصحيح، يقال دواء مضر وضار، ولو قيل دواء موذ أفاد معنى آخر، وأيضاً قال تعالىلن يضروكم إلا أذى } آل عمران 111، ولو قيل لن يضروكم إلا ضرراً لفسد الكلام، وأيضاً كونه بمعنى الضرر غير ظاهر في امثال قوله تعالىإن الذين يؤذون الله ورسوله } الأحزاب 57، وقوله تعالىلِمَ تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } الصف 5، فالظاهر ان الأذى هو الطارئ على الشيء غير الملائم لطبعه فينطبق عليه معنى الضرر بوجه. وتسمية المحيض أذى على هذا المعنى لكون هذا الدم المستند إلى عادة النساء حاصلاً من عمل خاص من طبعها يؤثر به في مزاج الدم الطبيعي الذي يحصله جهاز التغذية فيفسد مقداراً منه عن الحال الطبيعي وينزله إلى الرحم لتطهيره أو لتغذية الجنين أو لتهيئة اللبن للإرضاع، وأما على قولهم إن الأذى هو الضرر فقد قيل إن المراد بالمحيض اتيان النساء في حال الحيض، والمعنى يسألونك عن اتيانهن في هذه الحال، فأجيب بأنه ضرر وهو كذلك فقد ذكر الأطباء أن الطبيعة مشتغلة في حال الطمث بتطهير الرحم واعداده للحمل، والوقاع يختل به نظام هذا العمل فيضر بنتائج هذا العمل الطبيعي من الحمل وغيره. قوله تعالى { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن } ، الاعتزال هو أخذ العزلة والتجنب عن المخالطة والمعاشرة، يقال عزلت نصيبه إذا ميزته ووضعته في جانب بالتفريق بينه وبين سائر الأنصباء، والقرب مقابل البعد يتعدى بنفسه وبمن، والمراد بالاعتزال ترك الإتيان من محل الدم على ما سنبين. وقد كان للناس في أمر المحيض مذاهب شتى فكانت اليهود تشدد في أمره، وتفارق النساء في المحيض في المأكل والمشرب والمجلس والمضجع، وفي التوراة أحكام شديدة في أمرهن في المحيض، وأمر من قرب منهن في المجلس والمضجع والمس وغيره ذلك، وأما النصارى فلم يكن عندهم ما يمنع الاجتماع بهن أو الاقتراب منهن بوجه، وأما المشركون من العرب فلم يكن عندهم شيء من ذلك غير ان العرب القاطنين بالمدينة وحواليها سرى فيهم بعض آداب اليهود في أمر المحيض والتشديد في أمر معاشرتهن في هذا الحال، وغيرهم ربما كانوا يستحبون إتيان النساء في المحيض ويعتقدون أن الولد المرزوق حينئذ يصير سفاحاً ولوعاً في سفك الدماء وذلك من الصفات المستحسنة عند العشائر من البدويين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد