بيان قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ، قال الراغب في المفردات أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع، كلها كنايات، لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشاً اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه، انتهى، وهو جيد غير أنه يجب أن يراد بالعقد علقة الزوجية دون العقد اللفظي المعهود. والمشركات اسم فاعل من الإشراك بمعنى اتخاذ الشريك لله سبحانه، ومن المعلوم أنه ذو مراتب مختلفة بحسب الظهور والخفاء نظير الكفر والإيمان، فالقول بتعدد الإله واتخاذ الأصنام والشفعاء شرك ظاهر، وأخفى منه ما عليه أهل الكتاب من الكفر بالنبوة - وخاصة - انهم قالوا عزير ابن الله أو المسيح ابن الله، وقالوا نحن أبناء الله وأحبائه وهو شرك، وأخفى منه القول باستقلال الأسباب والركون إليها وهو شرك، إلى أن ينتهي إلى ما لا ينجو منه إلا المخلصون وهو الغفلة عن الله والالتفات إلى غير الله عزت ساحته، فكل ذلك من الشرك، غير أن إطلاق الفعل غير إطلاق الوصف والتسمية به، كما أن من ترك من المؤمنين شيئاً من الفرائض فقد كفر به لكنه لا يسمى كافراً، قال تعالى { ولله على الناس حج البيت } إلى أن قال{ ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } آل عمران 97، وليس تارك الحج كافرا بل هو فاسق كفر بفريضة واحدة، ولو أطلق عليه الكافر قيل كافر بالحج، وكذا سائر الصفات المستعملة في القرآن كالصالحين والقانتين والشاكرين والمتطهرين، وكالفاسقين والظالمين إلى غير ذلك لا تعادل الأفعال المشاركة لها في مادتها، وهو ظاهر فللتوصيف والتسمية حكم، ولإسناد الفعل حكم آخر. على أن لفظ المشركين في القرآن غير ظاهر الإطلاق على أهل الكتاب بخلاف لفظ الكافرين، بل إنما أطلق فيما يعلم مصداقه على غيرهم من الكفار كقوله تعالى{ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } البينة 1، وقوله تعالى{ إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام } التوبة 28، وقوله تعالى{ كيف يكون للمشركين عهد } التوبة 7، وقوله تعالى{ وقاتلوا المشركين كافة } التوبة 36، وقوله تعالى{ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } التوبة 5 إلى غير ذلك من الموارد. وأما قوله تعالى{ وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } البقرة 135، فليس المراد بالمشركين في الآية اليهود والنصارى ليكون تعريضاً لهم بل الظاهر أنهم غيرهم بقرينة قوله تعالى{ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } آل عمران 67، ففي إثبات الحنف له عليه السلام تعريض لأهل الكتاب، وتبرئة لساحة إبراهيم عن الميل عن حاق الوسط إلى مادية اليهود محضاً وإلى معنوية النصارى محضاً بل هو عليه السلام غير يهودي ولا نصراني ومسلم لله غير متخذ له شريكاً كالمشركين عبدة الأوثان.