الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

بيان قوله تعالى { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير } ، قالوا إن الآية واقعة على أُسلوب الحكمة، فإنهم إنما سألوا عن جنس ما ينفقون ونوعه، وكان هذا السؤال كاللغو لمكان ظهور ما يقع به الانفاق وهو المال على أقسامه، وكان الأحق بالسؤال إنما هو من ينفق له صرف الجواب إلى التعرض بحاله وبيان أنواعه ليكون تنبيهاً لهم بحق السؤال. والذي ذكروه وجه بليغ غير أنهم تركوا شيئاً، وهو أن الآية مع ذلك متعرضة لبيان جنس ما ينفقونه، فإنها تعرضت لذلك أولاً بقولها من خير، إجمالاً، وثانياً بقولها { وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم } ، ففي الآية دلالة على أن الذي ينفق به هو المال كائناً ما كان، من قليل أو كثير، وأن ذلك فعل خير والله به عليم، لكنهم كان عليهم أن يسألوا عمن ينفقون هم ويعرفوه، وهم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل. ومن غريب القول ما ذكره بعض المفسرين أن المراد بما في قوله تعالى { ماذا ينفقون } ليس هو السؤال عن الماهية فإنه اصطلاح منطقي لا ينبغي أن ينزل عليه الكلام العربي ولا سيما أفصح الكلام وأبلغه، بل هو السؤال عن الكيفية، وانهم كيف ينفقونه، وفي أي موضع يضعونه، فاجيب بالصرف في المذكورين في الآية، فالجواب مطابق للسؤال لا كما ذكره علماء البلاغة. ومثله وهو أغرب منه ما ذكره بعض آخر أن السؤال وإن كان بلفظ ما إلاَّ أن المقصود هو السؤال عن الكيفية فإن من المعلوم ان الذي ينفق به هو المال، وإذا كان هذا معلوماً لم يذهب إليه الوهم، وتعين ان السؤال عن الكيفية، نظير قوله تعالىقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا } البقرة 70، فكان من المعلوم أن البقرة بهيمة نشأتها وصفتها كذا وكذا، فلا وجه لحمل قوله ما هي على طلب الماهية، فكان من المتعين أن يكون سؤالاً عن الصفة التي بها تمتاز البقرة من غيرها، ولذلك أُجيب بالمطابقة بقوله تعالىإنها بقرة لا ذلول } البقرة 71 الآية. وقد اشتبه الأمر على هؤلاء، فإن ما وإن لم تكن موضوعة في اللغة لطلب الماهية التي اصطلح عليها المنطق، وهي الحد المؤلف من الجنس والفصل القريبين، لكنه لا يستلزم أن تكون حينئذ موضوعة للسؤال عن الكيفية، حتى يصح لقائل أن يقول عند السؤال عن المستحقين للإنفاق ماذا أُنفق أي على من أُنفق؟ فيجاب عنه بقوله للوالدين والأقربين، فإن ذلك من أوضح اللحن. بل ما موضوعة للسؤال عما يعرف الشيء سواء كان معرفاً بالحد والماهية، أو معرفاً بالخواص والأوصاف، فهي أعم مما اصطلح عليه في المنطق لا أنها مغايرة له وموضوعة للسؤال عن كيفية الشيء، ومنه يعلم أن قوله تعالى { يبين لنا ما هي } وقوله تعالى { إنها بقرة لا ذلول } سؤال وجواب جاريان على أصل اللغة، وهو السؤال عما يعرف الشيء ويخصه والجواب بذلك.

السابقالتالي
2 3