الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

بيان قد مر أن هذه الآيات آخذة من قوله تعالى { يا أيها آمنوا ادخلوا في السلم كافة } إلى آخر هذه الآية، ذات سياق واحد يربط بعضها ببعض. قوله تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } ، تثبيت لما تدل عليه الآيات السابقة، وهو أن الدين نوع هداية من الله سبحانه للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونعمة حباهم الله بها، فمن الواجب أن يسلموا له ولا يتبعوا خطوات الشيطان، ولا يلقوا فيه الاختلاف، ولا يجعلوا الدواء داءً، ولا يبدلوا نعمة الله سبحانه كفراً ونقمة من اتباع الهوى، وابتغاء زخرف الدنيا وحطامها فيحل عليهم غضب من ربهم كما حل ببني إسرائيل حيث بدلوا نعمة الله من بعد ما جاءتهم، فإن المحنة دائمة، والفتنة قائمة، ولن ينال أحد من الناس سعادة الدين وقرب رب العالمين إلا بالثبات والتسليم. وفي الآية التفات إلى خطاب المؤمنين بعد تنزيلهم في الآيات السابقة منزلة الغيبة، فإن أصل الخطاب كان معهم ووجه الكلام إليهم في قوله { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافه } ، وإنما عدل عن ذلك إلى غيره لعناية كلامية أوجبت ذلك، وبعد انقضاء الوطر عاد إلى خطابهم ثانياً... وكلمة أم منقطعة تفيد الإِضراب، والمعنى على ما قيل بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة " إلخ " ، والخلاف في أم المنقطعة معروف، والحق أن أم لإفاده الترديد، وأن الدلالة على معنى الإضراب من حيث انطباق معنى الإضراب على المورد، لا أنها دلالة وضعية، فالمعنى في المورد مثلاً هل انقطعتم بما أمرناكم من التسليم بعد الإيمان والثبات على نعمة الدين، والاتفاق والاتحاد فيه أم لا بل حسبتم أن تدخلوا الجنة " إلخ ". قوله تعالى { ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } ، " المثل " بكسر الميم فسكون الثاء، والمثل بفتح الميم والثاء كالشبه والشبه، والمراد به ما يمثل الشيء ويحضره ويشخصه عند السامع، ومنه المثل بفتحتين، وهو الجملة أو القصة التي تفيد استحضار معنى مطلوب في ذهن السامع بنحو الاستعارة التمثيلية كما قال تعالىمثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً } الجمعة 5، ومنه أيضاً المثل بمعنى الصفة كقوله تعالىانظر كيف ضربوا لك الأمثال } الفرقان 9، وإنما قالوا له صلى الله عليه وآله وسلم مجنون وساحر وكذاب ونحو ذلك، وحيث انه تعالى يبين المثل الذي ذكره بقوله { مستهم البأساء والضراء } " إلخ " ، فالمراد به المعنى الأول. قوله تعالى { مستهم البأساء والضراء } ، إلى آخره لما اشتد شوق المخاطب ليفهم تفصيل الإجمال الذي دل عليه بقوله { ولما يأتكم مثل الذين } ، بيَّن ذلك بقوله { مستهم البأساء والضراء } والبأساء هو الشدة المتوجهة إلى الانسان في خارج نفسه كالمال والجاه والأهل والأمن الذي يحتاج إليه في حياته، والضراء هي الشدة التي تصيب الإِنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض، والزلزلة والزلزال معروف وأصله من زل بمعنى عثر، كررت اللفظة للدلالة على التكرار كأن الأرض مثلاً تحدث لها بالزلزلة عثرة بعد عثرة، وهو كصر وصرصر، وصل وصلصل، وكب وكبكب، والزلزال في الآية كناية عن الاضطراب والادهاش.

السابقالتالي
2