الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

بيان الآية تبين السبب في تشريع أصل الدين وتكليف النوع الإنساني به، وسبب وقوع الاختلاف فيه ببيان أن الإِنسان - وهو نوع مفطور على الاجتماع والتعاون - كان في أول اجتماعه أمة واحدة، ثم ظهر فيه بحسب الفطرة الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية، فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة، والمشاجرات في لوازم الحياة فألبست القوانين الموضوعة لباس الدين، وشفّعت بالتبشير والإِنذار بالثواب والعقاب، وأُصلحت بالعبادات المندوبة إليها ببعث النبيين، وإرسال المرسلين، ثم اختلفوا في معارف الدين أو أُمور المبدأ والمعاد، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية، وظهرت الشعوب والأحزاب، وتبع ذلك الاختلاف في غيره، ولم يكن هذا الاختلاف الثاني إلا بغياً من الذين أوتوا الكتاب، وظلماً وعتواً منهم بعد ما تبيّن لهم أُصوله ومعارفه، وتمت عليهم الحجة، فالاختلاف اختلافان اختلاف في أمر الدين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم، واختلاف في أمر الدنيا وهو فطري وسبب لتشريع الدين، ثم هدى الله سبحانه المؤمنين إلى الحق المختلف فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فالدين الإلهي هو السبب الوحيد لسعادة هذا النوع الإنساني، والمصلح لأمر حياته، يصلح الفطرة بالفطرة ويعدل قواها المختلفة عند طغيانها، وينظم للإنسان سلك حياته الدنيوية والأخروية، والمادية والمعنوية، فهذا إجمال تاريخ حياة هذا النوع الحياة الاجتماعية والدينية على ما تعطيه هذه الآية الشريفة. وقد اكتفت في تفصيل ذلك بما تفيده متفرقات الآيات القرآنية النازلة في شؤون مختلفة. بدء تكوين الإنسان ومحصّل ما تبيّنه تلك الآيات على تفرقها أن النوع الإنساني ولا كل نوع إنساني بل هذا النسل الموجود من الإنسان ليس نوعاً مشتقاً من نوع آخر حيواني أو غيره حوّلته إليه الطبيعة المتحولة المتكاملة، بل هو نوع أبدعه الله تعالى من الأرض، فقد كانت الأرض وما عليها والسماء ولا إنسان ثم خلق زوجان اثنان من هذا النوع وإليهما ينتهي هذا النسل الموجود، قال تعالىإنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل } الحجرات 13 وقال تعالىخلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } الأعراف 189 وقال تعالىكمثل آدم خلقه من تراب } آل عمران 59، وأما ما افترضه علماء الطبيعة من تحول الأنواع وإن الإنسان مشتق من القرد، وعليه مدار البحث الطبيعي اليوم أو متحول من السمك على ما احتمله بعض فإنما هي فرضية، والفرضية غير مستندة إلى العلم اليقيني وإنما توضع لتصحيح التعليلات والبيانات العلمية، ولا ينافي اعتبارها اعتبار الحقائق اليقينية، بل حتى الامكانات الذهنية، إذ لا اعتبار لها أزيد من تعليل الآثار والأحكام المربوطة بموضوع البحث، وسنستوعب هذا البحث ان شاء الله في سورة آل عمران في قوله تعالىإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد