الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

بيان هذه الآيات وهي قوله { يا أيها الذين آمنوا } إلى قوله { ألا إن نصر الله قريب } الآية، سبع آيات كاملة تبين طريق التحفظ على الوحدة الدينية في الجامعة الإنسانية وهو الدخول في السلم والقصر على ما ذكره الله من القول وما أراه من طريق العمل، وأنه لم ينفصم وحدة الدين، ولا ارتحلت سعادة الدارين، ولا حلت الهلكة دار قوم إلا بالخروج عن السلم، والتصرف في آيات الله تعالى بتغييرها ووضعها في غير موضعها، شوهد ذلك في بني إسرائيل وغيرهم من الأمم الغابرة وسيجري نظيرها في هذه الأمة لكن الله يعدهم بالنصر ألا إن نصر الله قريب. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } ، السلم والإسلام والتسليم واحدة، وكافة كلمة تأكيد بمعنى جميعاً، ولما كان الخطاب للمؤمنين وقد أُمروا بالدخول في السلم كافة، فهو أمر متعلق بالمجموع وبكل واحد من أجزائه، فيجب ذلك على كل مؤمن، ويجب على الجميع أيضاً أن لا يختلفوا في ذلك ويسلموا الأمر لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضاً الخطاب للمؤمنين خاصة فالسلم المدعو إليه هو التسليم لله سبحانه بعد الإيمان به، فيجب على المؤمنين أن يسلموا الأمر إليه، ولا يذعنوا لأنفسهم صلاحاً باستبداد من الرأي، ولا يضعوا لأنفسهم من عند أنفسهم طريقاً يسلكونه من دون أن يبينه الله ورسوله، فما هلك قوم إلا باتباع الهوى والقول بغير العلم، ولم يسلب حق الحياة وسعادة الجد عن قوم إلا عن اختلاف. ومن هنا ظهر أن المراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما يدعو إليه من أمر الدين بأن يزين شيئاً من طرق الباطل بزينة الحق ويسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به الإنسان من غير علم، وعلامة ذلك عدم ذكر الله ورسوله إياه في ضمن التعاليم الدينية. وخصوصيات سياق الكلام وقيوده تدل على ذلك أيضاً فإن الخطوات إنما تكون في طريق مسلوك، وإذا كان سالكه هو المؤمن، وطريقه إنما هو طريق الإيمان فهو طريق شيطاني في الإيمان، وإذا كان الواجب على المؤمن هو الدخول في السلم فالطريق الذي يسلكه من غير سلم من خطوات الشيطان، واتباعه اتباع خطوات الشيطان. فالآية نظيرة قوله تعالىيا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } البقرة 168-169، وقد مر الكلام في الآية، وقوله تعالىيا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } النور 21، وقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7