الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

بيان سياق الآيات الشريفة يدل على أنها نازلة دفعة واحدة، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لأول مرة مع مشركي مكة، فإن فيها تعرضاً لإِخراجهم من حيث أخرجوا المؤمنين، وللفتنة، وللقصاص، والنهي عن مقاتلتهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوا عنده، وكل ذلك أمور مربوطة بمشركي مكة، على أنه تعالى قيد القتال بالقتال في قوله { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } ، وليس معناه الاشتراط أي قاتلوهم أن قاتلوكم وهو ظاهر، ولا قيداً احترازياً، والمعنى قاتلوا الرجال دون النساء والولدان الذين لا يقاتلونكم كما ذكره بعضهم، إذ لا معنى لقتال من لا يقدر على القتال حتى ينهى عن مقاتلته، ويقال لا تقاتله بل إنما الصحيح النهي عن قتله دون قتاله. بل الظاهر أن الفعل أعني يقاتلونكم، للحال والوصف للإشارة، والمراد به الذين حالهم حال القتال مع المؤمنين وهم مشركوا مكة. فمساق هذه الآيات مساق قوله تعالىأُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } الحج 39-40، إذن ابتدائي للقتال مع المشركين المقاتلين من غير شرط. على أن الآيات الخمس جميعاً متعرضة لبيان حكم واحد بحدوده وأطرافه ولوازمه فقوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله } ، لأصل الحكم، وقوله تعالى { لا تعتدوا } الخ، تحديد له من حيث الانتظام، وقوله تعالى { واقتلوهم } الخ، تحديد له من حيث التشديد، وقوله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } الخ، تحديد له من حيث المكان، وقوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } الخ، تحديد له من حيث الأمد والزمان، وقوله تعالى { الشهر الحرام } الخ، بيان أن هذا الحكم تشريع للقصاص في القتال والقتل ومعاملة بالمثل معهم، وقوله تعالى { وأنفقوا } ، إيجاب لمقدمته المالية وهو الإنفاق للتجهيز والتجهز، فيقرب أن يكون نزول مجموع الآيات الخمس لشأن واحد من غير أن ينسخ بعضها بعضاً كما احتمله بعضهم، ولا أن تكون نازلة في شؤون متفرقه كما ذكره آخرون، بل الغرض منها واحد وهو تشريع القتال مع مشركي مكة الذين كانوا يقاتلون المؤمنين. قوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } ، القتال محاولة الرجل قتل من يحاول قتله، وكونه في سبيل الله إنما هو لكون الغرض منه إقامة الدين وإعلاء كلمة التوحيد، فهو عبادة يقصد بها وجه الله تعالى دون الاستيلاء على أموال الناس وأعراضهم، فإنما هو في الإسلام دفاع يحفظ به حق الإنسانية المشروعة عند الفطرة السليمة كما سنبينه، فإن الدفاع محدود بالذات، والتعدي خروج عن الحد، ولذلك عقبه بقوله تعالى { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }. قوله تعالى { ولا تعتدوا } الخ، الاعتداء هو الخروج عن الحد، يقال عدا واعتدى إذا جاوز حده، والنهى عن الاعتداء مطلق يراد به كل ما يصدق عليه أنه اعتداء كالقتال قبل أن يدعى إلى الحق، والابتداء بالقتال، وقتل النساء والصبيان، وعدم الانتهاء إلى العدو، وغير ذلك مما بينه السنة النبوية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد